للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥ - نقول لكم: هذا الدليل مع أنه باطل ولا تقوم به حجة، مع ذلك يلزمكم فيها أثبتموه نظير ما لزمكم فيما نفيتموه، وعلى كلا الحالين فلم تستفيدوا شيئًا، غير أنكم عطلتم النصوص عما دلت عليه وحرفتم الكلم عن مواضعه.

قال ابن القيم: "لما أصَّلوا هم وأتباعهم من الجهمية أن المختص بصفة أو حقيقة أو قدر لا بُدَّ له من تخصيص منفصل، لزمهم من هذا الأصل إنكار حقيقته وذاته وصفاته، إذ لو أثبتوا له ذلك بزعمهم لزم أن يكون له مخصص غيره خصصه بتلك الماهية والصفات والقدر، فلزم أيضًا من هذا الأصل الباطل ما لزم من الأصل الذي قبله، وهم طردوا هذا الأصل وجحدوا حقيقة الرب وصفاته، وإخوانهم من الجهمية لمَّا لم يمكنهم أن يُصرحوا به بين أظهر المسلمين صرحوا بالأصل وبما أمكنهم أن يُصرحوا به من اللوازم: كنفي الصفات، ونفي العلو، والمباينة، والكلام، والوجه، واليدين، والاستواء، والنزول، ولما أصلوا ذلك لزمهم القول بأنه في كل مكان بذاته، وأنه تعالى في الأجواف والأمكنة التي يتعالى عنها، فلما صاح عليهم أهل العلم والإيمان من كل قُطر من أقطار الأرض قالوا: نقول إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق العرش ولا تحته، فلما رأى عُبَّادهم ومتصوفوهم أن الإرادة والعبادة والطلب لا تُعَلَّقُ بمعبود هذا شأنه وأن القلوب لا تعرفه والألسنة لا تعرفه، فروا إلى أن قالوا: فهو عين هذا العالم لا غيره وكل هذه اللوازم أُسِّسَت على ذلك الأصل الفاسد" (١).

وقال أيضًا: "وأما دليل امتناع الاختصاص بغير مخصص أو غير ذلك، فجميع هذه الشبه الباطلة تنفي كل معنى حمَلتُم عليه النصوص، ويلزمكم فيما أثبتموه نظير ما لزمكم فيما نفيتموه، وإذا كان الإلزام ثابتًا على التقديرين لم تستفيدوا بتأويل النصوص وحملها على خلاف حقائقها إلا تحريف الكلم عن مواضعه، والقول على اللَّه بلا علم، والجناية على الكتاب والسنة" (٢).

٦ - أن هناك من علمائكم من رد دليل الاختصاص وضعفه وبيَّن تهافته، وهو الآمدي، حيث قال في كتابه غاية المرام: "وقد سلك بعض الأصحاب في الرد على هؤلاء طريقًا شاملًا فقال: لو كان الباري مقدَّرًا بقدْر، متصوَّرًا بصورة، متناهيًا بحد ونهاية، مختصًا بجهة، متغيرًا بصفة حادثة في ذاته لكان محدثًا؛ إذ العقل الصريح


(١) انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٤/ ١٤٢٦).
(٢) انظر: نفس المصدر لابن القيم (٤/ ١٥٠٩).