فقوله:"الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل"، قول باطل، بل صفة كل موصوف مخلوق مضافة إلى اللَّه تعالى، فإنه خلق كل موصوف بصفاته، وليس في المخلوق شيء -لا من ذاته ولا من صفاته- إلا واللَّه تعالى خلقه وأبدعه.
وأيضًا فكل صفة لازمة لموصوفها لا يكون الموصوف إلا بها، فإن كان مفتقرًا إلى الفاعل: فالفاعل فعله بصفاته، وإن كان غنيًا عن الفاعل: استغنى بصفاته عن الفاعل، وتسمية أهل المنطق لبعضها ذاتيًا ولبعضها عرضيًا لا يمنع اشتراكها في هذا الحكم.
وقول القائل: لو قدر صفة زائدة على الثمان لكان صفة كان أو نقص، إنما يفيده نفي ما زاد على الثمان وهذا لا يضر المعارض، بل يقوي معارضته؛ فإن تخصيص الصفات بإثبات ثمان دون ما زاد ونقص تخصيص بقدر وعدد؛ فإن كان كل مختص يفتقر إلى مخصص مباين للموصوف فالسؤال قائم.
فإن قال القائل: هذه الصفات على هذا الوجه من لوازم الذات لا تفتقر إلى موجب غير الذات.
قيل له: فهكذا مورد النزاع وبطل ما ذكرتَه من أن اختصاص كل موصوف بصفات ومقدار يفتقر إلى مخصص منفصل عنه.
الوجه الثاني: أن ما ذكره من الكلام في أخص وصف هو أيضًا لازم لهم، كما أن ما ذكره في الصفات هو أيضًا لازم لهم، فإن هذا معارضة باختصاص الحقيقة في نفسها، وذلك معارضة باختصاصها ببعض الصفات دون بعض، وبعدد من الصفات دون ما زاد، وسواء قيل بإثبات أخص وصف أو لم يقل فإنه لابد من ذات متميزة بنفسها عما سواها.
الوجه الثالث: أن يقال: أهل الإثبات للصفات لهم فيما زاد على الثمانية ثلاثة أقوال معروفة:
أحدها: إثبات صفات أخرى كالرضى والغضب والوجه واليدين والاستواء.
الثاني: قول من ينفي هذه الصفات كما ذكره الشهرستاني وغيره، وهو أضعف الأقوال.
الثالث: قول الواقفة الذين يجوزون إثبات صفات زائدة لكن يقولون لم يقم عندنا دليل على نفي ذلك ولا إثباته، وهذه طريقة محققي من لم يُثبت الصفات الخبرية، وهذا اختيار الرازي والأمدي وغيرهما، وإذا كان كذلك فالمعارضة بالصفات ثابتة على كل قول من الأقوال الثلاثة إذ لابد فيها من اختصاص فإن كان كل مختص يفتقر إلى مخصص مباين لزم افتقار صفات اللَّه تعالى إلى مباين له" (١).