علوم ضرورية هي معرفة الجواز في الجائزات والاستحالة في المستحيلات والوجوب في الواجبات، وتقدير القدرة عليها إنما يحتاج إليها في ترجيح أحد الجائزين على الثاني لا في تصور نفس الجواز، وهذه نكتة قد أغفلها كثير من أصحاب الكلام وأما الصفات وانحصارها في ثمان فقد اختلف الجواب عنه بوجوه منها أنهم منعوا إطلاق لفظ العدد عليها فضلا عن الثمانية. . . فإن الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل بل هي له من غير سبب والمقادير المختلفة تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل فإن جعلها له بسبب ومنها أنهم قالوا لو قدرنا صفة زائدة على الصفات الثمانية لم يخل الحال فيها إما أن تكون صفة مدح وكمال أو تكون صفة ذم ونقصان فإن كانت صفة كمال فعدمها في الحال نقص وقد اتصف الباري سبحانه بصفات الكمال من كل وجه وإن كان صفة نقصان فعلمها عنه واجب وإذا بطل القسان تعين أنه لا يجوز أن يتصف بصفة زائدة على الصفات الذاتية" (١).
وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية كلام الشهرستاني ورد عليه وبين تناقضه في ذلك.
فقال ﵀: "فيقال: هذا وما أشبهه هو الذي يقال في هذا المقام من جهة من يفرق بين بعض الصفات وبعض، كما يفرق بين الصفة والقدْر، ومن تدبره علم أنه لا يمكن الفرق، وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن ما ذكره ليس فيه جواب عن الإلزام والمعارضة؛ فإنهم عارضوه بإثبات صفات متعددة، سواء كانت ثمانيًا أو أكثر أو أقل؛ فإن اختصاص الصفات بعدد من الأعداد كاختصاص الذات بقدْر من الأقدار، وإذا كان المسمِّي لا يسمي ذلك عددًا فمنازعه لا يسمي الآخر قدرًا، وليس الكلام في الإطلاقات اللفظية بل في المعاني العقلية، وما زاد على ذلك سواء نفي ثبوته أو نفي العلم به لا يضر، فإن السؤال قائم، إلا أن يثبت المثبت صفاتٍ لا نهاية لعددها، وهذا ينقض قاعدة من يقول: إنه لا يوجد ما لا نهاية له وإلا فإذا أثبت الصفات متناهية كانت المعارضة متوجهة سواء عرف عددها أو لم يعرف، وتفريق من فرق بين الصفات الذاتية والعرضية بأن هذه تفتقر إلى فاعل دون الأخرى لا يصح؛ لأن هذا إنها يجيء على قول من يقول: الماهيات غير مفعولة ولا مجعولة، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ونحوهم، وإلا فأهل السنة ومتكلموهم متفقون على أن حقائق جميع المخلوقات مخلوقة مصنوعة، بل ليس لها حقيقة في الخارج إلا ما هو موجود في الخارج، وما سوى ذلك فإنها هو الصورة العلمية، وما في الأذهان من ذلك فاللَّه تعالى هو الذي جعله فيها، واللَّه سبحانه هو الذي خلق فسوى وهو الذي قدر فهدى، وهو الذي خلق، خلق الإنسان من علق، وهو الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وهو الذي خلق الإنسان علمه البيان.
(١) انظر: نهاية الإقدام للشهرستاني (ص: ١٠٦ - ١٠٧).