للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرد على حجتهم الخامسة: وهي دليل الاختصاص.

١ - أنه يلزم من قولكم بدليل الاختصاص: أن اختصاص واجب الوجود بما يختص به لا بُدَّ له من مخصص، وهذا في حقيقته تعطيل لواجب الوجود، ويلزم منه أن تكون جميع الموجودات كلها ممكنة، يستوي في ذلك الخالق والمخلوق، تعالى اللَّه عن ذلك علوًا كبيرًا (١).

٢ - قول أصحاب هذا الدليل: "افتقار كل ذي قدر إلى مخصص مباين له يخصصه بما هو عليه من قدر" هو من التوهم الباطل الشيطاني؛ لأنه لا يقف عند حد الموجود الممكن المحدَث، بل يتعداه إلى الواجب القديم الخالق جل وعلا (٢).

٣ - أنكم تناقضتم في جعلكم الممكن المفتقر إلى الفاعل لا يفتقر إلى المخصص، وجعلكم الواجب القادر الغني عن الفاعل يفتقر إلى مخصص، وهذا قلب للحقائق وإبطال لها (٣).

٤ - نقول لكم: كذلك تناقضتم أولًا: حينها فرقتم بين ذات واجب الوجود وبين صفاته، فزعمتم أن ذاته ليس لها مقدار، وأن صفاته لها مقدار، وتناقضتم ثانيًا: حيث حصرتم مقدار صفات الواجب في ثمان أو أقل أو أكثر، ونفيتم ما عداها بزعم أنه يلزم منه أن يكون للَّه تعالى قدرٌ، وأن اختصاصه بذلك القدر لا بد له من مخصص، وهو محال؛ لكيلا يكون حادثًا؛ إذ افتقار المخصَّصات إلى مخصص يدل على حدوثها، فأنتم تنفون المقدار عن ذات اللَّه تعالى، تجعلون لصفاته تعالى مقدارا محددة وتنفون ما عداه، وهذا تحكم منكم وتناقض، وهو الذي عجز علماؤكم عن الإجابة عنه، فنفوا لأجل ذلك العدد والقدر بعد أن حصروه في ثمان صفات.

قال الشهرستاني: "المقادير من حيث إنها مقادير طولًا وعرضًا وعمقًا لا تختلف شاهدًا وغائبًا في تطرق الجواز العقلي إليها واستدعاء المخصص، فإنا لو قدرنا مثل ذلك المقدار بعينه في الشاهد تطرق الجواز العقلي إليه واختصاصه به دون مقدار آخر يستدعي المخصص، وتطرق الجواز إلى الجائزات لا يتوقف على تقدير القدرة عليها، بل معرفة ذلك بينة للعقل ضرورية، حتى صار كثير من العقلاء إلى أن العقل نفسه عبارة عن


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٣/ ٣٦٠ - ٣٦١).
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٣/ ٣٦٩).
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٣/ ٣٧٠ - ٣٧١).