للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائزة لجرى سؤالهم لها مجرى من يسأل معجزة زائدة، فإن قلت: أليس إنه قد أجرى إنزال الكتاب من السماء مجرى الرؤية في كون كل واحد منهما عُتُّوًا، فكما أن إنزال الكتاب غير ممتنع في نفسه فكذا سؤال الرؤية؟ قلت: الظاهر يقتضي كون كل واحد منها ممتنعة ترك العمل به في إنزال الكتاب فيبقى معمولا به في الرؤية.

٢ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)[البقرة: ٥٥] فإن الرؤية لو كانت جائزة لكان قولهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ كقول الأمم لأنبيائهم: "لن نؤمن إِلا بإحياء ميت" في أنه لا يُستعظم ولا تأخذهم الصاعقة.

٣ - وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١)[الفرقان: ٢١] فالرؤية لو كانت جائزة وهي عند مجزيها من أعظم المنافع لم يكن التماسها عتوا لأن من سأل اللَّه تعالى نعمة في الدين أو الدنيا لم يكن عاتيا وجرى ذلك مجرى ما يقال: لن نؤمن لك حتى يحيي اللَّه بدعائك هذا الميت، فلو أن الرؤية كانت جائزة لما كان سؤالها عتوًا ومنكرًا، وذلك ممنوع (١).

٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)[الشورى: ٥١]. ووجه الدلالة: أن اللَّه ﷿ حصر تكليمه للبشرة في الوحي إلى الرسل، وتكليمه لهم من وراء حجاب، وإرساله إياهم إلى الأمم ليكلمهم على ألسنتهم، وإذا لم يره من يُكلمه في وقت الوحي لم يره في غيره إجماعًا، وإذا لم يره هو أصلًا لم يره غيره أيضًا، إذ لا قائل بالفرق (٢).

* * *


(١) انظر: تفسير الرازي (٣/ ٥٢٠) باختصار وتصرف، وشرح مواقف الإيجي لعلي الجرجاني (٨/ ١٥٨) ضبطه وصححه: محمود الدمياطي. الناشر: دار الكتب العلمية بيروت. الطبعة الأولى ١٤١٩ هـ.
(٢) انظر: شرح مواقف الإيجي لعلي الجرجاني (٨/ ١٥٩).