للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الزمخشري: "وخرَّ موسى صعقًا من هول ما رأى، ومعناه: خر مغشيًا عليه غشيةً كالموت، ورُوي أن الملائكة مرت عليه وهو مغشيٌ عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون: يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة" (١).

الوجه الرابع: قوله تعالى عن موسى: ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قالوا: فهذا تنزيه للَّه تعالى عما لا يجوز عليه وهو الرؤية، فقوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ الكلمة للتنزيه، فوجب أن يكون المراد منه تنزيه اللَّه تعالى عما تقدم ذكره، والذي تقدم ذكره هو رؤية اللَّه تعالى. فكان قوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تنزيهًا له عن الرؤية، فثبت بهذا أن نفي الرؤية تنزيه للَّه تعالى، وتنزيه اللَّه إنما يكون عن النقائص والآفات وذلك على اللَّه محال فثبت أن الرؤية على اللَّه ممتنعة (٢).

قال الزمخشري: "فلما أفاق من صعقته قال: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها" (٣).

الوجه الخامس: قوله تعالى: عن موسى : ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قالوا: ولولا أن طلب الرؤية ذنب لما تاب منه، ولولا أنه ذنب ينافي صحة الإسلام لما قال: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٤).

قال الزمخشري: "تبت إليك من طلب الرؤية ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بأنك لست بمرئي ولا تدرك بشيء من الحواس، فإن قيل: فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فمم تاب؟ قلت: من إجرائه تلك المقالة العظيمة -وإن كان لغرض صحيح- على لسانه من غير إذن فيه من اللَّه تعالى" (٥).

٣ - أن اللَّه تعالى ما ذكر سؤال الرؤية إِلا استعظمه، وذلك في آيات، وهي:

١ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٣] فسمَّي ذلك ظلما وعاقبهم في الحال، فلو كانت الرؤية


(١) انظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ١٥٤) الناشر: دار الكتاب العربي بيروت. الطبعة الثالثة ١٤٠٧ هـ.
(٢) انظر: تفسير الرازي (١٤/ ٣٥٧).
(٣) انظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ١٥٥).
(٤) انظر: تفسير الرازي (١٤/ ٣٥٧).
(٥) انظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ١٥٥ - ١٥٦) بتصرف يسير.