للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره "كأنه عز وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله: ﴿. . . وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)[مريم] " (١).

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "ولن موضوعة للتأبيد، فقد نَفَى أن يكون مرئيًا البتة، وهذا يدل على استحالة الرؤية عليه، فإن قالوا: أليس أنه تعالى قال حاكيا عن اليهود: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)[البقرة: ٩٥] أي: لا يتمنون الموت، ثم قال حاكيا عنهم: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧)[الزخرف: ٧٧]: فكيف يقال إن لَن موضوعة للتأبيد؟

قلنا: إنَّ "لَن" موضوعة للتأبيد، ثم ليس يجب أن لا يصح استعماله إِلا حقيقة، بل لا يمتنع أن يستعمل مجازًا، وصار الحال فيها كالحال في قولهم: أسد وخنزير وحمار، فكما أن موضعها وحقيقتها لحيوانات مخصوصة ثم تستعمل في غيرها على سبيل المجاز والتوسع، واستعمالهم في غيرها لا يقدح في حقيقتها كذلك ههنا" (٢).

الوجه الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] ووجه الدلالة: أنه علق الرؤية حال تحركه وتدكدكه لا قبل ذلك.

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "علَّقَ الرؤية باستقرار الجبل فلا يخلو: إما أن يكون علقها باستقراره بعد تحركه وتدكدكه، أو علقها به حال تحركه، لا يجوز أن تكون الرؤية علقها باستقرار الجبل؛ لأن الجبل قد استقر ولم ير موسى ربه، فيجب أن يكون قد علق ذلك باستقرار الجبل بحال تحركه، دالًّا بذلك على أن الرؤية مستحيلة عليه، كاستحالة استقرار الجبل حال تحركه، ويكون هذا بمنزلة قوله تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: ٤٠] " (٣).

الوجه الثالث: قوله تعالى: ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] فلو كانت الرؤية جائزة ممكنة لم يخر موسى صعقًا عند طلبه لها.


(١) انظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ١٥٤) الناشر: دار الكتاب العربي بيروت. الطبعة الثالثة ١٤٠٧ هـ.
(٢) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٦٤ - ٢٦٥).
(٣) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٦٥).