للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون" لما يمكن أن يكون؛ لأن "لن" فيها معنى "أن وإذا كان الأمر عندهم على الشك لا على الظن كأنه يقول: أيكون أم لا يكون؟ -قلت: في النفي لا يكون- وهذا كله مُقوٍّ لتركيبها من "لا" و"أن" (١).

وبهذا يتبين أن من زعم أن "لن" تفيد النفي على التأبيد المطلق فقوله باطل مردود.

قال الإمام جمال الدين بن مالك :

ومن رأى النفي بلن مؤبدا … فقوله أردد وخلافه اعضدا (٢)

وقال ابن القيم: "وقد أكذبهم اللَّه في قولهم بتأبيد النفي بـ "لن" صريحًا بقوله: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧)[الزخرف: ٧٧] فهذا تمنٍّ للموت، فلو اقتضت "لن" دوام النفي تناقض الكلام؛ كيف وهي مقرونة بالتأبيد بقوله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ [البقرة: ٩٥] ولكن ذلك لا ينافي تمنيه في النار؛ لأن التأبيد قد يراد به: التأبيد المقيد والتأبيد المطلق، فالمقيد كالتأبيد بمدة الحياة، كقولك: "واللَّه لا أكلمه أبدًا"، والمطلق كقولك: "واللَّه لا أكفر بربي أبدًا"، وإذا كان كذلك فالآية إنما اقتضت نفي تمني الموت أبد الحياة الدنيا، ولم يتعرض للآخرة أصلًا؛ وذلك لأنهم لحبهم الحياة وكراهتهم للجزاء لا يتمنون الموت وهذا منتف في الآخرة" (٣).

الرد على الوجه الثاني: أنه علقه على استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال السكون أو الحركة، وإلا لزم الإضمار في الكلام، وأنه -أي استقرار الجبل- من حيث هو ممكن قطعًا؛ إذ لو فُرض وقوعه لم يلزم منه محال لذاته، وأيضًا فاستقرار الجبل عند حركته أي في زمانها ليس بمحال؛ إذ في ذلك الوقت قد يحصل الاستقرار بدل الحركة ولا محذور فيه، إنما المحال هو الاستقرار مع الحركة في كونهما مجتمعين لا وقوع شيء منهما في وقت آخر بدل صاحبه (٤).

وقال ابن تيمية: "فأخبر سبحانه أنه تجلى للجبل وأنه لما تجلى له جعله دكًا فتجليه له: إما أن يكون مجرد خلق الرؤية فيه كما يقولون إن ذلك هو تجليه لسائر من يراه، أو يكون تجليه هو رفع الحجاب حتى ظهر للجبل؟ فإن كان التجلي هو خلق الرؤية كان قد أخبر أن الجبل أطاق رؤيته وأن الجبل رأى اللَّه، وإذا كان كذلك لم يجب أن يصير دكًا إذا ورد عليه ما يعجز عن مقاومته فإذا كان التجلي ليس هو إلا أن جُعل رائيًا فمعلوم أنه يكون


(١) انظر: نتائج الفكر في النَّحو لأبي القاسم السُّهَيلي (ص ١٠٣) وأبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي لمحمد إبراهيم البنا (ص ٣٦١).
(٢) انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك (٣/ ١٥١٥).
(٣) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (١/ ١٦٨).
(٤) انظر: شرح مواقف الإيجي للجرجاني (٨/ ١٢١).