للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قادرًا على ما جُعل فاعلًا له فلا يكون دكًا ولو كان كذلك لكان العبارة المناسبة أن يقال: فلما رأى الجبلُ ربَّه جعله دكًا فلما دل القرآن مع ما ورد به الحديث في تفسير هذه الآية أن التجلي هو ظهوره وأنه مع ذلك قد لا يطيق المتجلي له رؤيته لعجزه وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه علم أنه قد يتجلى لمن يراه ولمن لا يراه وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه عند الاحتجاب فعلم أن هناك حجابا خارجًا عن الإنسان وأن التجلي يكون برفع كل الحجاب" (١).

الرد على الوجه الثالث: أنه ليس فيها دلالة على المنع، بل إن دلالتها على الجواز أقرب؛ فإن الصعق لم يحدث لموسى إلا عندما رأى الجبل يتدكدك لمَّا تجلى له الرب ظهورا، أو على القول أن موسى رأى اللَّه -على ضعفه- فصعق، وهذا يدل على الجواز وإنما كان الصعق نتيجة عدم تحمل موسى رؤية اللَّه تعالى في هذه الدار الفانية.

أما ما ذكره الزمخشري من الأثر المروي عن ابن عباس في "مرور الملائكة على موسى وهو صَعِق" فباطل؛ لإنه من رواية الواقدي (٢)، والواقدي متروك لا يحتج به.

وقد احتج برواية باطلة، وترك الأحاديث الكثيرة الصحيحة المتواترة، والتي تثبت رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة.

وهذه حكاية إنما يوردها من يتعسف لامتناع الرؤية فيتخذها عونًا وظهرا على المعتقد الفاسد. والوجه التورك بالغلط على ناقلها، وتنزيه الملائكة من إهانة موسى كليم اللَّه بالوكز بالرجل والغمص في الخطاب" (٣).

على أن هناك رواية أخرى لذلك الأثر، وهي أقل ضعفا منها من طريق: أبي سعد سعيد بن المرزبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] فمَرَّت به الملائكةُ وقد صُعق، فقالت: يا ابن النساء الحيض لقد سألت ربك أمرًا عظيمًا. فلما أفاق قال: سبحانك لا إله إلا أنت، تبت إليك، وأنا أول المؤمنين، قال: أنا أول من آمن أنه لا يراك أحد من خلقك، يعني في الدنيا" (٤).


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٨/ ١٣١ - ١٣٢).
(٢) انظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن الثعلبي (٤/ ٢٧٩).
(٣) انظر: الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال لأحمد الإسكندري المالكي (٢/ ١١٥) من هامش الكشاف.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٤٣٣)، وفيه أبو سعد سعيد بن المرزبان البقال التابعي المقرئ تلميذ ابن عباس، وقد ضُعف، وبعضهم يوثقه، على خلاف بينهم فيه، انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (٤/ ٤٣٢ - ٤٣٦).