للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨٦ - عن علي قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد (١) قد جاءنا رسول الله فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة (٢) فنكس (٣) فجعل ينكت (٤) بمخصرته ثم قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ ومَكَانُهَا مِنَ النَّارِ، وَإلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" قال: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نَمْكُتُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمِّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسِّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ" ثمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠] " (٥).

أخبرنا محمد بن أبي بكر بن رَزِيْن (٦)، أنبا أحمد بن محمد بن عبد الغني (٧)، أنبأ زاهر بن


(١) البقيع من الأرض: المكان المتسع، ولا يسمى بقيعًا إلا وفيه شجر أو أصولها. والغرقد: شجر عظام. وبقيع الغرقد: موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد، فذهب وبقي اسمه. انظر: النهاية لابن الأثير (١/ ١٤٦)، ولسان العرب (٣/ ٣٢٥).
(٢) المخصرة: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا، أو عكازة، أو مقرعة، أو قضيب، وقد يتكى عليه. انظر: النهاية لابن الأثير (٢/ ٣٦).
(٣) النكس: قلب الشيء على رأسعه. انظر: لسان العرب (٦/ ٢٤١).
(٤) أصله من النكت بالحصى، وهو أن يؤثر فيها بطرفه، فعل المفكر المهموم. وقيل: يضرب الأرض بطرفه. انظر: النهاية لابن الأثير (٥/ ١١٣)، ولسان العرب (٢/ ١٠٠).
(٥) أخبر النبي أن الله تقدم علمه وكتابه وقضاؤه بما سيصير إليه العباد من السعادة والشقاوة. كما بين أن ذلك لا ينافي وجود الأعمال التي بها تكون السعادة والشقاوة، وأن من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهلها، ومن كان من أهل الشقاوة فإنه ييسر لعمل أهلها، وقد نهي أن يتكل الإنسان على القدر السابق، ويدع العمل؛ ولهذا كان من أتكل على القدر السابق، وترك ما أمر به من الأعمال فهو من الأخسرين أعمالًا، وكان تركهم لما يجب عليهم من العمل من جملة المقدور الذي يسروا به لعمل أهل الشقاوة، فأهل السعادة هم الذين يفعلون المأمور ويتركون المحظور. انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٢٧٤ - ٢٧٦).
(٦) محمد بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الدمشقي الكناني ثم الخشاب، ابن رزين. أبو عبد الله. مات سنة: (٧٢١ هـ) سمع من: التقي أحمد بن العز وغيره، الشيخ الصالح المعمر، روى الكثير وقرر مسمعًا بدار الحديث. انظر: معجم الشيوخ الكبير (٢/ ٣١٧)، وذيل التقييد (١/ ١٠٧) (رقم: ١٣٧).
(٧) أحمد بن محمد بن عبد الغني المقدسي الصالحي. ابن العز أبو العباس (٥٩١ - ٦٤٣ هـ). سمع من: الخشوعي، وأسعد بن روح، وغيرهما. روى عنه: العز بن العماد، والقاضي تقي الدين، وغيرهما. شيخ الحنابلة، كان دينًا مؤثرأً فصيحًا =