٣ - يقال لهم: قولكم: "ما ليس في جهة" هذا اللفظ قول مبتدع لم يرد به الشرع إثباتًا ولا نفيًا، ثم ماذا تقصدون به؟ إن قصدتم أنه لا داخل العالم ولا خارجه فقد قلتم الباطل والمحال، وإن قصدتم أنه ليس فوق العرش إله فقد جحدتم رب العالمين، وإن قصدتم أنه بذاته في كل مكان فقد قلتم قولا أعظم من قول النصاري في عيسى ﵇، وإن قصدتم أنه تعالى لا تحيط به المخلوقات، بل هو بائن عن المخلوقات، فقد أصابتم المعنى وأخطأتم في استعمال اللفظ؛ لأنه.
قال ابن تيمية:"من قال: إن اللَّه ليس في جهة، قيل له: ما تريد بذلك؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السماوات رَبٌّ يُعبَد، ولا على العرش إلهٌ، ومحمد لم يُعرج به إلى اللَّه تعالى، والأيدي لا تُرفع إلى اللَّه تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوب إليه، فهذا فرعوني معطل جاحد لرب العالمين.
وإن كان مُعتقدًا أنه مُقِرٌّ به، فهو جاهل متناقض في كلامه. ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد كابن عربي، وقالوا: إن اللَّه بذاته في كل مكان، وأن وجود المخلوقات هو وجود الخالق.
وإن قال: مرادي بقولي: "ليس في جهة" أنه لا تحيط به المخلوقات، بل هو بائن عن المخلوقات، فقد أصاب في هذا المعنى.
وكذلك من قال: إن اللَّه متحيز، أو قال: ليس بمتحيز، إن أراد بقوله: "متحيز" أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ. وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات لا تحويه فقد أصاب. وإن أراد: ليس ببائن عنها، بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ.
والناس في ذلك ثلاثة أصناف: أهل الحلول والاتحاد، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.
فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة، فيقولون: وجود المخلوقات وجود الخالق، كما هو مذهب ابن عربي صاحب "الفصوص" وابن سبعين ونحوهما.
وأما أهل النفي والجحود فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج عنه، ولا مباين له ولا حال فيه، ولا فوق العالم ولا فيه، ولا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى الشيء ولا يراه أحد، ونحو ذلك.
وهذا قول متكلمة الجهمية، كما أن الأول قول عباد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا، ومتعبدة الجهمية يعبدون كل شيء، وكلاهما مرجعهم إلى التعطيل والجحود الذي هو قول فرعون" (١).