٤ - أن استلزام الرؤية لأن يكون اللَّه بجهة من الرائي ثابت لا محذور فيه، فقد دل العقل الصريح والنقل الصحيح والقياس الصحيح وهو قياس التنبية وقياس الأولى على إثبات ذلك.
قال ابن تيمية:"الوجه الثالث: أن كون الرؤية مستلزمة لأن يكون اللَّه بجهة من الرائي أمر ثبت بالنصوص المتواترة وفيه مع إخباره أنهم يرونه إخبارهم أنه يرونه في جهة منهم من وجوه:
أحدها: أن الرؤية في لغتهم لا تُعرف إلا لرؤية ما يكونُ بجهةٍ منهم، فأما رؤية ما ليس في الجهة فهذا لم يكونوا يتصورونه ولا يعرفونه فضلًا عن أن يكون اللفظ يدل عليه.
ولست تجد أحدًا من الناس يتصور وجود موجود في غير جهة، فضلا عن أن يتصور أنه يُرى، فضلًا عن أن يكون اسم الرؤية المشهورة في اللغات كلها يدل على هذه الرؤية الخاصة.
الثاني: أنه شبه لهم رؤيتَه برؤية الشمس والقمر، وليس ذلك تشبيها للمرئي بالمرئي، ومن المعلوم أنه إذا كانت رؤيته مثل رؤية الشمس والقمر وجب أن يُرى في جهة من الرائي، كما أن رؤية الشمس والقمر كذلك، فإنه لو لم يكن كذلك لأخبرهم برؤية مطلقة نتأولها على ما يتأول من يقول بالرؤية في غير جهة، أما بعد أن يستفسرهم عن رؤية الشمس صحوة ورؤية البدر صحوة ويقول: "إنكم ترون ربكم كذلك" فهذا لا يمكن أن يتأول على الرؤية التي يزعمونها، فإن هذا اللفظ لا يحتملها لا حقيقةً ولا مجازًا.
الثالث: أنه شبه رؤيتَه برؤية أظهر المرئيات إذا لم يكن ثم حجاب منفصل عن الرائي يحول بينه وبين المرئي، ومن يقول: "إنه يُرى في غير جهة" يمتنع عنده أن يكون بينه وبين العباد حجابٌ منفصلٌ عنهم، إذ الحجاب لا يكون إلا لجسم، ولمَّا يكون في جهة، وهم يقولون: "الحجاب عدم خلق الإدراك في العين"، والنبي ﷺ مثل رؤيته برؤية هذين النورين العظيمين إذا لم يكن دونها حجاب.
الرابع: أنه أخبر أنهم: "لا يضارُّون في رؤيته" وفي حديث آخر: "لا يضامون" ونَفيُ الضَّيرِ والضَّيم إنما يكون لإمكان لحوقه للرائي، ومعلوم أنا يُسمُّونَه رؤية وهو "رؤية ما ليس بجهة" من الرائي لا فوقه ولا في شيء من جهاته لا يتصور فيها ضَيرٌ ولا ضَيمٌ حتى يُنفي ذلك، بخلاف رؤية ما يواجه الرائي ويكون فوقه، فإنه قد يلحقه فيه ضَيمٌ وضَيرٌ إما بالازدحام عليه أو كلال البصر لخفائه: كالهلال، وإما لجلائه: كالشمس والقمر.
الوجه الرابع: أن كون اللَّه يُرى بجهة من الرائي ثبت بإجماع السلف والأئمة" (١).