للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ (١) مِنَ الْغَمَامِ … الحديث. وفيه: فَيَبْقَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُه، فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ فَيَأَتِيهِمْ فَيَقُول: مَا بِالُكُمْ لَا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا لَإِلَهًا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ .. " (٢).

ذكر أبو العباس القلانسي المتكلم (٣)، في رده على البلخي الكعبي المعتزلي (٤) قال: ثم يقال: له مما يُنكر أن يكون: إنما اشتد غضب الله عليهم، لأنهم سألوا الرؤية على طريق الاستخفاف بنبيهم صلى الله عليه، وبما نسب لهم من الدلالة على وحدانيته، لا لأنهم سألوه الرؤية. وما (يُنكر) (٥) أيضا، أن يكون: اشتد غضب الله على قوم موسى، لأنهم سألوا الرؤية التي لا يستحقونها، إلا بعد الطاعة والعبادة له، فغضب الله عليهم، لأنهم سألوا الرسول ما يجب لهم بعد المعرفة والطاعة، تقصيرا منهم بالرؤية، وتمردًا (٦) على الله. إلى أن قال: لأنه سأل ما لا يستحقه إلا بعد الطاعة وعمل طويل، ولم يغضب عليه، لأنه سأل ما لا يجوز. إلى أن قال: ويقول: إن كان قوله: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٢١] يدل على أن الرؤية على الله محال لا يجوز كونها، فكذلك أيضًا تدل على أن نزول الملائكة إلى الخلق محال لا يجوز كونه، فإن لم تدل الآية على استحالة نزول الملائكة، لم تدل أيضًا على استحالة النظر إلى الله والرؤية له. إلى أن قال: بل شرائط الرؤية قيام المرئ بنفسه، وصحة بصر الرائي، مع ارتفاع الحجب والموانع، وإن كان شرط العلم الخبر والحس أو الاستدلال أو الضرورة.


(١) الغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جل وعز يوم القيامة في ظلل منه فنحن نؤمن به، ولا نكيف صفته. انظر: تهذيب اللغة للهروي (٣/ ١٥٦).
(٢) رواه الشاشي في مسنده برقم (٤١٠)، والطبراني في معجمه الكبير برقم (٩٧٦٣) مطولًا، والدارقطني في رؤية الله برقم (١٦٣)، والبيهقي في البعث والنشور برقم (٤٣٤) مطولًا. قال الألباني في مختصر العلو للعلي العظيم (ص: ١١٠): إسناده حسن.
(٣) أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي أبو العباس. من معاصري أبي الحسن لا من تلامذته. وهو من جملة العلماء الكبار الأثبات، واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات. انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص: ٣٩٨).
وقد اتفق القلانسي مع ابن كلاب في أكثر المسائل التي انفرد بها عن جمهور أهل السنة.
(٤) عبد الله بن أحمد بن محمود، الكعبي البلخي، أبو القاسم. مات سنة: (٣١٩ هـ) رأس المعتزلة في زمانة وداعيتهم. قال جعفر المستغفري: لا أستجيز الرواية عن أمثاله. انظر: تاريخ الإسلام (٧/ ٣٥٥) (رقم: ٤٢١).
(٥) أقرب قراءة لها، ولمناسبتها سياق الكلام.
(٦) المارد من الرجال: العاتي الشديد. وأصله من مردة الجن والشياطين. وقد تمرد علينا أي عتا. انظر: النهاية لابن الأثير (٤/ ٣١٥)، ولسان العرب (٣/ ٤٠٠).