للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقائلون بأنه حي عليم قدير، من غير حياة ولا علم ولا قدرة، مما يقول جمهور العقلاء: إن فساد قولهم معلوم بالضرورة.

والقائلون بأن النبي نص على عليٍّ بالخلافة نصًا جليًا أشاعه بين المسلمين، فكتموه ولم يظهروه، يقول جمهور العقلاء: إن قولهم معلوم الفساد بالضرورة.

والقائلون بأن للأمة إمامًا معصومًا عمره سنتان -أو ثلاث أو أربع- دخل السرداب من أكثر من أربعمائة سنة، أو أن عليًا لم يمت، وأمثال ذلك، يقول جمهور الناس: إن قولهم معلوم الفساد بالضرورة.

وكذلك قول القائلين بأن الأعراض لا تبقي زمانين، مما يقول جمهور العقلاء: إن فساده معلوم بالضرورة.

وكذلك من يقول: إن النبي كان يسمي المنافقين مؤمنين، ويجعل إيمانهم كإيمان المؤمنين غير المنافقين، وهم مع ذلك مخلدون في النار، مما يعلم جمهور العقلاء المسلمين فساده بالاضطرار من دين الإسلام.

وكذلك القائلون بأن القرآن العزيز زيد فيه زيادات، ونقص منه أشياء، مما يعلم بالضرورة امتناعه في العادة.

وقول النصارى: إن الكلمة اتحدت بالمسيح، وإنها ليس هي الآب الجامع للأقانيم، وهي مع ذلك الرب الذي يخلق ويرزق، وهي جوهر، والجوهر عندهم واحد ليس إِلا الآب، مما يقول الناس: إنه معلوم الفساد بالضرورة. ومثل هذا إذا تتبعناه كثير.

فوجود الأقوال التي يقول جمهور الناس: إنها معلومة الفساد بالضرورة في قول طوائف كثيرة من الناس أكثر من أن تُستوعب، فكيف يقال: "لا يجوز إطباق الجمع الكثير على إنكار ما علم بالبديهة"؟

الوجه الرابع: أن يُقال: هذا معارض بها هو أبلغ منه، فإن الجموع الكثيرة يقولون: إنهم يجدون في أنفسهم عند الضرورة معني يطلب العلو في توجه قلوبهم إلى اللَّه ودعائه، وأنه يمتنع في عقولهم وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، وأن هذا معلوم نهم بالضرورة، فإن امتنع اتفاق الجمع العظيم على مخالفة البديهة، فتجب الحجة المثبِتة، فيبطل نقيضها، وإن لم تمتنع بطلت حجة النفاة، فيثبت بطلانها على التقديرين" (١).

٤ - أن الذي ورد عن سلف الأمة وأئمتها هو إثبات الجهة، وهي جهة العلو والفوقية للَّه تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، وهو عكس ما ادعوه من نفي الجهة، وعكس ما زعموه من النهي عن إطلاقها أو القول بها.


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٦/ ٢٥٠ و ٥٦٥ - ٢٧٢) باختصار وتصرف.