للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إرادتنا هو المسمي: بالكسب والاكتساب، فأفعالنا الاختيارية قد تعلقت بها القدرتان، القدرة القديمة، والقدرة الحادثة، وليس للقدرة الحادثة تأثير، وإنما لها مجرد مقارنة" (١).

الرابعة: الماتريدية قالوا: بأن أفعال العباد خلق اللَّه تعالى وكسب للعباد، فاللَّه خالقٌ والعبد كاسبٌ (٢).

إلا أنهم لهم في تعريف الكسب مذهبا مختلفًا، فهم يثبتون أن قدرة اللَّه تعالى تؤثر في أصل الفعل، وقدرة العبد تؤثر في صفة الفعل، وتأثير العبد هذا هو الكسب عندهم.

فقالوا في تعريفه: "أصل الفعل بقدرة اللَّه، والاتصاف بكونه طاعة أو معصية بقدرة العبد" (٣).

ومعنى هذا عندهم أن اللَّه تعالى لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره، فقالوا: "أن ما يخترعه فيه باختيار العبد ذلك، وله عليه قدرة، فأثرُ تَعلُّقِ قدرتِهِ به كونه فعلًا له، فيكون اللَّه تعالى مخترعًا فعل العبد باختياره، لولا اختيارُ العبدِ وقصدُه واكتسابُه لما خلقه اللَّه تعالى فعلًا له" (٤).

وقالوا أيضًا: "فعلم من وجدان ما يدل على الاختيار ووجدان أن اختيار العبد ليس مؤثرًا في وجود الحالة المذكورة أنه جرت عادته تعالى أنا متى قصدنا الحركة الاختيارية قصدًا جازمًا من غير اضطرار إلى القصد يخلق اللَّه عقيبه الحالة المذكورة الاختيارية، وإن لم نقصد لم يخلق" (٥).

وقولهم السابق يثبت أن للعبد إرادة جزئية غير مخلوقة، وأنها راجعة إليهم دون اللَّه تعالى، واللَّه لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره، وهذا هو نفس قول المعتزلة.

* * *


(١) انظر: شرح الخريدة البهية للدردير (ص ٦١ - ٦٢).
(٢) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٢٥ - ٢٢٦).
(٣) انظر: إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان للقاضي كمال الدين البياضي (ص ٢٥٦).
(٤) انظر: تبصرة الأدلة في أصول الدين لأبي المعين النسفي (ص ٢٢٥ - ٢٢٦).
(٥) انظر: إشارات المرام للقاضي كمال الدين البياضي (ص ٢٥٨ - ٢٥٩).