للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - أن التفاوت المعهود هو ما نافر النفوس أو خرج عن المعهود، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتًا فليس ذا التفاوت الذي نفاه اللَّه تعالى عن خلقه فإذ ليس هو هذا الذي يسميه الناس تفاوتا فلم يبق إِلا أن التفاوت الذي نفاه اللَّه تعالى عما خلق هو شيء غير موجود فيه البتة لأنه لو وجد في خلق اللَّه تعالى تفاوتا لكُذِّبَ قولُ اللَّه ﷿: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ ولا يُكَذِّبُ اللَّهَ تعالى إِلا كافرٌ، فبطل ظن المعتزلة إن الكفر والظلم والكذب والجور تفاوت؛ لأن كل ذلك موجود في خلق اللَّه ﷿ مرئي فيه مشاهد بالعيان فيه فبطل احتجاجهم (١).

٥ - يقال لهم: "أن هذا سوء فهم؛ وذلك أن هذا أراد به سبحان وتعالى خلق السموات في الصورة، وأنه ليس فيها فطور ولا شقوق، أجمع المفسرون على ذلك، فلا حجة لكم فيها، ثم إن أول الآية حجة عليكم؛ لأنه قال: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ وبين الموت والحياة تفاوت، وهو خالق الجميع لا خالق لذلك غيره، فكذلك كفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإن كان بينهما تفاوت في الحكم فليس بينهما تفاوت في الإيجاد والاختراع وإحكام الخلق، فصح أن الآية حجة عليهم لا لهم" (٢).

٦ - أن المعنى أن السماء مستوية مستديرة لا اعوجاج فيها ولا اختلاف بينها ولا تفاوت، فالفَلَك الذي خلقه وجعله مستديرًا ما له من فروج، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)[الذاريات] وقال: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦)[ق] فهو سبحانه سواها كما سوى الشمس والقمر وغير ذلك من المخلوقات فعدل بين أجزائها، ولو كان أحد جانبي السياء داخلا أو خارجا لكان فيها فروج وهي الفتوق والشقوق ولم يكن سواها كمن بني قبة ولم يسوها، وكذلك لو جعل أحد جانبيها أطول أو أنقص ونحو ذلك. فالعدل والتسوية لازم لجميع المخلوقات والمصنوعات. فمتى لم تصنع بالعدل والتسوية بين المتماثلين وقع فيها الفساد (٣). وعدم التفاوت إنما يكون فيها يستدير من أشكال الأجسام دون المضلعات من المثلث أو المربع أو غيرهما فإنه يتفاوت لأن زواياه مخالفة لقوائمه والجسم المستدير متشابه الجوانب والنواحي ليس بعضه مخالفا لبعض (٤).


(١) انظر: الفصل لابن حزم (٣/ ٣٩ - ٤٠).
(٢) انظر: الإنصاف للباقلاني (ص ١٤٤).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٦/ ١٣٤ - ١٣٥) باختصار وتصرف.
(٤) انظر: نفس المصدر لابن تيمية (٢٥/ ١٩٤).