للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧].

قالوا: "وهذا يدل على أن أفعال العباد غير مخلوقة، ووجه الاستدلال به: أنه لا يخلو: إما أن يكون المراد به أن جميع ما فعله اللَّه تعالى فهو إحسان، أو المراد به أن جميعه حسن، لا يجوز أن يراد به الإحسان؛ لأن في أفعال اللَّه تعالى ما لا يكون إحسانًا كالعقاب، فليس إِلا أن المراد به الحسن على ما تقوله، إذا ثبت هذا -ومعلوم أن أفعال العباد تشتمل على الحسن والقبيح- فلا يجوز أن تكون مضافة إلى اللَّه تعالى" (١).

الرد عليهم:

١ - أن معنى الآية ليس كما تأولتم وحرفتم، وإنما معناه الصحيح: أن اللَّه أتقن خلقَ كل شيء وأحكمه (٢).

٢ - يقال لهم: "ليس أحسن من معني: حَسَن بسبيل، وإنما معنى أحسن أنه يحسن ويِعلَم كيف يَخلقُ كما يقال: فلان يحسن الظلم ويحسن السفه ويحسن فعل الخير والجميل؛ أي: يعلم كيف يفعل ويعرفه، وليس معنى قولهم يحسن القبيح والسفه أنه يجعل ذلك حسنًا فبطل ما قلتم" (٣). قال مقاتل: "عَلِمَ كيف تُحلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد". وقال السدي: "أحسنه لم يتعلمه من أحد، والإحسان العلم، يقال: فلان يحسن كذا إذا علمه" (٤).

٣ - أن اللَّه تعالى أنكر على الكافرين ما زعموه من وجود خالق مع اللَّه، فقال تعالى: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: ١٦] فهذه الآية بينت ما تعلق به المعتزلة، وذلك أن قومًا جعلوا للَّه شركاء خلقوا كخلقه فجعلوهم خالقين، فأنكر اللَّه تعالى ذلك فعلى هذا خرج قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] ويبين بطلان ظنون المعتزلة في هذه الآية قول اللَّه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧] أفيكون مسلمًا من أوجب للَّه تعالى شركاء من أجل قول اللَّه تعالى للكفار الذين جعلوا له شركاء يخلقون كخلقه: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِي﴾ ولا شك في أن هذا الخطاب إنما خرج جوابا عن إيجابهم له الشركاء تعالى اللَّه عن ذلك وقد علمنا بضرورة العقل والنص أنه ليس للَّه تعالى شركاء وأنه لا خالق غيره ﷿ وأنه خالق كل شيء في العالم من عرض أو جوهر وبهذا خرج قوله تعالى: ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] مع قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧] فلو أمكن أن يكون في العالم خالق غير اللَّه


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٥٧).
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٨/ ٥٩٧).
(٣) انظر: تمهيد الأوائل للباقلاني (ص ٣٥٢).
(٤) انظر: التفسير الوسيط للواحدي (٣/ ٤٥٠).