للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى يخلق شيئًا لما أنكر ذلك ﷿؛ إذ هو ﷿ لا ينكر وجود الموجودات وإنما ينكر الباطل فصح ضرورة لا شك فيها أنه لا خالق غير اللَّه تعالى، فإذ لا شك في هذا فليس في قول اللَّه تعالى: ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] المؤمنون إثبات أن في العالم خالقا غير اللَّه تعالى يخلق شيئًا (١).

٤ - أن كل ما خلقه اللَّه فله فيه حكمة كما قال: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] وقال: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، وهو سبحانه غني عن العالمين، فالحكمة تتضمن شيئين: أحدهما: حكمة تعود إليه يحبها ويرضاها. والثاني إلى عباده هي نعمة عليهم يفرحون بها ويلتذون بها، وهذا في المأمورات وفي المخلوقات، أما في المأمورات فإن الطاعة هو يحبها ويرضاها؛ ويفرح بتوبة التائب أعظم فرح، هكذا سائر ما أمر به؛ وكذلك ما خلقه خلقه لحكمة تعود إليه يحبها وخلقه لرحمة بالعباد ينتفعون بها، وأنتم تزعمون أنه تعالى يخلق ويأمر لحكمة تعود إلى العباد فقط وهو نفعهم والإحسان إليهم؛ فلم يخلق ولم يأمر إِلا لذلك، ثم منكم من تكلم في تفصيل الحكمة، فأنكر القدر؛ ووضع لربه شرعًا بالتعديل والتجويز (٢).

وأنتم متناقضون في هذا القول؛ لأن الإحسان إلى الغير محمود لكونه يعود منه على فاعله حكم يحمد لأجله، إما التكميل نفسه بذلك، وإما لقصده الحمد والثواب بذلك، وإما لرقة وألم يجده في نفسه يدفع بالإحسان ذلك الألم، وإما لالتذاذه وسروره وفرحه بالإحسان، فإن النفس الكريمة تفرح وتسر وتلتذ بالخير الذي يحصل منها إلى غيرها، فالإحسان إلى الغير محمود، لكون المحسن يعود إليه من فعله هذه الأمور حكم يحمد لأجله، أما إذا قدر أن وجود الإحسان وعدمه بالنسبة إلى الفاعل سواء، لم يعلم أن مثل هذا الفعل يحسن منه، بل مثل هذا يعد عبثا في عقول العقلاء، وكل من فعل فعلا ليس فيه لنفسه لذة ولا مصلحة ولا منفعة بوجه من الوجوه لا عاجلة ولا آجلة كان عبثا، ولم يكن محمودا على هذا، وأنتم عللتم أفعاله فرارا من العبث، فوقعتم في العبث، فإن العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحة ولا منفعة ولا فائدة تعود على الفاعل (٣).

الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٨].

قالوا: "بيَّن اللَّه تعالى أن أفعاله كلها متقنة، والإتقان يتضمن الإحكام والحُسن جميعًا، حتى لو كان محكمًا ولا يكون حَسَنًا لكان لا يوصف بالإتقان، ألا ترى أن أحدنا لو تكلم بكلام فصيح يشتمل على الفحش


(١) انظر: الفصل لابن حزم (٣/ ٣٧) بتصرف.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٣٥ - ٣٨) باختصار وتصرف.
(٣) انظر: مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (١١٩ - ١٢٠).