للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قالوا: فذلك العدم من خلَقَهُ فيه؟ قلنا: هذا سؤال فاسد. فإن العدم كاسمه لا يفتقر إلى التكوين والإحداث، فعدم الفعل ليس أمرًا وجوديًا حتى يضاف إلى الفاعل، بل هو شر محض، والشر ليس إلى الرب (١).

الشبهة الخامسة: أنه لا يجوز أن يقال للجور والكذب هذا خلق اللَّه، بل يُعرَضُ عن ذلكَ ولا يُقال، فصحَّ أنه خَلقٌ لغيره (٢).

الرد عليهم:

١ - أن هذا غير صحيح، لكن إن أردت الإطلاق في العموم فجائز أن نقول: يا خالق المخلوقات، ويا خالق الموجودات، ويا خالق كل شيء، ويا خالق الضر والنفع، أما من أراد الخصوص فقال: يا خالق الكذب والجور، فلا يجوز من طريق الأدب ومن طريق الإذن في ذلك، كما أنا نقول: يا خالق المخلوقات فيعم بذلك السموات والرص والشمس والقمر، والقردة، والخنازير، والكلاب، والجُعلان، وغير ذلك من سائر المخلوقات، فلا يجوز على الإنفراد أن تقول: يا خالق الأقذار والأنجاس، ونحو ذلك من طريق الأدب، وأيضًا لم يُؤذن لنا في ذلك، بل ندعوه بأسمائه الحُسنى كما أمر فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠] (٣).

٢ - أن قولكم ذلك هو نفس قول المجوس الذين زعموا أن خالق الشر إله آخر، فالمجوسية: الذين يجعلون للَّه شركاء في خلقه كما جعل الأولون له شركاء في عبادته. يقولون: خالق الخير، غير خالق الشر، ويقول من كان منهم في ملتنا: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة اللَّه تعالى، وربما قالوا: ولا يعلمها أيضًا، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقع بغير قدرته ولا صنعه فيجحدون مشيئته النافذة وقدرته الشاملة؛ ولهذا قال ابن عباس: القدر نظام التوحيد فمن وحد اللَّه وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحد اللَّه وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده (٤).


(١) انظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (ص ٢٤١) بتصرف، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١٤/ ٣٣١).
(٢) انظر: الإنصاف للباقلاني (ص ١٥٠).
(٣) انظر: المصدر السابق للباقلاني (ص ١٥١) بتصرف.
(٤) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (١/ ٤٥٦) بتصرف.