للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذنب له حيث أعرض عن الإيمان واستبدل به الكفر والفسوق والعصيان ورضي بموالاة الشيطان وهانت عليه معاداة الرحمن (١). قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: ٣٤] وقال: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥].

فالطبع والختم والغشاوة لم يفعلها الرب سبحانه بعبده من أول وهلة حين أمره بالإيمان أو بينه له وإنما فعله بعد تكرار الدعوة منه سبحانه والتأكيد في البيان والإرشاد وتكرار الإعراض منهم والمبالغة في الكفر والعناد فحينئذ يطبع على قلوبهم ويختم عليها فلا تقبل الهدى بعد ذلك والإعراض والكفر الأول لم يكن مع ختم وطبع بل كان اختيارا فلما تكرر منهم صار طبيعة وسجية (٢).

خامسًا: الآيات التي فيها إثبات الفعل للَّه تعالى وحده، ونفيه عن العبد، مثل:

قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧].

وقوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨].

قالوا: ففي الآية الأولى أثبت اللَّه تعالى أنه قتلهم وأثبت أنه هو الذي رماهم بنفسه، ونفى اللَّه ذلك عن الرسول ومن معه من المؤمنين، فدل أن العبد مجبور لا فعل له ولا مشيئة ولا اختيار.

وأما الآية الثانية فإذا كانت الحسنة والسيئة كلها من اللَّه فهذا دليل على أنه لا قدرة للعبد في ذلك وأنه مجبور على ما خلقه اللَّه فيه من حسنة أو سيئة.

الرد عليهم:

أما الآية الأولى: فهي دليل عليكم لا لكم؛ ولم يُرد به أن فعل العبد هو فعل اللَّه تعالى -كما تظنه طائفة من الغالطين- فإن ذلك لو كان صحيحا لكان ينبغي أن يقال لكل أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت إذ مشيت ولكن اللَّه مشي ويقال للراكب: وما ركبت إذ ركبت ولكن اللَّه ركب ويقال للمتكلم: ما تكلمت إذ تكلمت ولكن اللَّه تكلم، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلي ونحو ذلك، وطردُ ذلك: يستلزم أن يقال


(١) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ١٠٨).
(٢) انظر: نفس المصدر لابن القيم (ص ٩١).