للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للكافر: ما كفرت إذ كفرت ولكن اللَّه كفر، ويقال للكاذب: ما كذبت إذ كذبت ولكن اللَّه كذب، ومن قال مثل هذا فهو كافر ملحد خارج عن العقل والدين (١).

واللَّه تعالى أثبت لرسوله رميًا بقوله: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ فعلم أن المثبت غير المنفي وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء، فابتداؤه الحذف، وانتهاؤه الإصابة، وكل منهما يسمى رميا، فالمعنى حينئذ -واللَّه تعالى أعلم- وما أصبت إذ حذفت ولكن اللَّه أصاب، وإلا فطرد قولهم: وما صليت إذ صليت ولكن اللَّه صلى! ما صمت إذ صمت! وما زنيت إذ زنيت! وما سرقت إذ سرقت! وفساد هذا ظاهر (٢).

فمعناه: وما أوصلت إذ حذفت ولكن اللَّه أوصل المرمي؛ فإن النبي كان قد رمي المشركين بقبضة من تراب وقال: (شاهت الوجوه) فأوصلها اللَّه إلى وجوه المشركين وعيونهم؛ وكانت قدرة النبي عاجزة عن إيصالها إليهم والرمي له مبدأ وهو الحذف ومنتهى وهو الوصول؛ فأثبت اللَّه لنبيه المبدأ بقوله: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ ونفى عنه المنتهى وأثبته لنفسه بقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ وإلا فلا يجوز أن يكون المثبت عين المنفي؛ فإن هذا تناقض (٣).

وأما الآية الثانية فالمراد بالحسنة النعم، وبالسيئة والمصائب.

قال البغوي: " ﴿حَسَنَةً﴾ أي خصب ورخص في السعر ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ يعني: الجدب وغلاء الأسعار، وقيل: المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر، وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أحد، ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد، ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي: الحسنة والسيئة كلها من عند اللَّه، قوله ﷿: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ خير ونعمة ﴿فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ﴾ بلية أو أمرٍ تكرهه، ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ أي: بذنوبك" (٤).

وليس المراد بالحسنة والسيئة الطاعة والمعصية، فلم يثبت هذا عن أحد من السلف، ولكن قد يقال: إنه مراد مع الأول باعتبار أن ما يهديه اللَّه إليه من الطاعة هو نعمة في حقه من اللَّه أصابته، وما يقع منه من المعصية هو سيئة أصابته، ونفسه التي عملت السيئة، وإذا كان الجزاء من نفسه فالعمل الذي أوجب الجزاء أولى أن


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢/ ٣٣١).
(٢) انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (٢/ ٦٤٢).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢/ ٣٧٥).
(٤) انظر: تفسير البغوي (٢/ ٢٥٢) باختصار.