للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعمل (١). فهو في اللغة بمعنى الجمع والطلب، يقال: كَسَبْتُ شيئًا واكتسبتُه بمعنى، وكسَّبتُ أهلي خيرًا وكسَّبتُ الرجل مالًا فكسبه (٢).

فظهر مما تقدم أن الكسب يرجع إلى ما يكسبه الإنسان من عمل القلب أو عمل الجوارح وهو المعبر عنه بالاجتراح والعمل، وظهر أن تفسير الأشعرية للكسب بالمقارنة قول لم يسبقوا إليه (٣).

ثالثا: إذا قيل لهؤلاء: الكسب الذي أثبتموه لا تعقل حقيقته، فإذا قالوا: الكسب ما وجد في محل القدرة المحدثة مقارنًا لها من غير أن يكون للقدرة تأثير فيه، قيل لهم: فلا فرق بين هذا الكسب وبين سائر ما يحدث في غير محلها وغير مقارن لها؛ إذ اشتراك الشيئين في زمانها ومحلهما لا يوجب كون أحدهما له قدرة على الآخر، كاشتراك العرضين الحادثين في محل واحد في زمان واحد، بل قد يقال: ليس جعل الكسب قدرة والقدرة كسبًا بأولى من العكس إذا لم يكن إلا مجرد المقارنة في الزمان والمحل (٤).

رابعًا: أن بناء التكليف على هذه المقارنة غير معقول، وينتهي إلى القول بتكليف العاجز، فإنَّ فِعْل العبد كما يقارن القدرة الحادثة من الكاسب كذلك يقارن علمه وسمعه وبصره وغير ذلك من بقية الصفات، فأي مزية للقدرة إذا في تعلقها بالفعل؟ ولذا قال جمهور العقلاء إن كسب الأشعري من محالات الكلام، والعقلاء متفقون على عدم تكليف العاجز، والقرآن الكريم شاهدٌ بذلك: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا﴾ [البقرة: ٢٨٦] والاقتران ليس من عمل المكلف فليس في وسعه (٥).

خامسًا: أن كسب الأشعري لا حقيقة له، لأنهم فسروه بأنه عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، وقالوا: الخلق هو المقدور بالقدرة القديمة. وما دام العبد ليس بفاعل، ولا له قدرة مؤثرة في الفعل فالزعم بأنه كاسب، وتسمية فعله كسبا لا حقيقة له، لأنه القائل بذلك لا يستطيع أن يوجد فرقا بين الفعل الذي نفاه عن العبد، والكسب الذي أثبته له.


(١) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ١٢٠) باختصار.
(٢) انظر: القاموس المحيط للفيروزأبادي (ص: ١٦٧). مادة (كسب).
(٣) انظر: الشرح الجديد على جوهرة التوحيد لمحمد بن أحمد لعدوي (ص ٧٩) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباب الحلبي وأولاده بمصر. الطبعة الأولى ١٣٦٦ هـ.
(٤) انظر: الصفدية لابن تيمية (ص ١٥١ - ١٥٢).
(٥) انظر: الشرح الجديد لجوهرة التوحيد للعدوي (ص ٨٠).