للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أقر الرازي بأن الكسب الذي قاله به الأشاعرة لا يعقل فقال: "وعند هذا التحقيق يظهر أن الكسب اسم بلا مسمى" (١).

وصرح التفتازاني بذلك فقال: "فإن الإنسان مضطر في صورة مختار كالقلم في يد الكاتب" (٢).

واعترف الشعراني بأن الكسب الأشعري مُشكل وأنه من أدق المسائل وأغمضها، لكنه أحال لمعرفته إلى الكشف الصوفي فقال: "اعلم يا أخي أن مسألة الكسب من أدق مسائل الأصول وأغمضها، ولا يزيل أشكالها إلّا الكشف" (٣).

وقال اللقاني: "مسألة الكسب وهي من غوامض مباحث الكلام حتى شرب بها المثل فقيل: أخفى من كسب الأشعري" (٤).

سادسًا: أن الأشعرية قد تنازعوا في معنى قدرة العبد على الطاعة، كل منهم يقول قولا ينقض الآخر:

فقال الأشعري: هي العرض المقارن للطاعة.

وقال الجويني: هي سلامة الأسباب والآلات.

وأورد على كلام الأشعري أنه يلزم من هذا تكليف العاجز؛ وأجيب عنه بأنه قادر بالقوة القريبة لما اتصف به من سلامة الآلات بناء على قول الأشعري: أن العرض لا يبقى زمانين.

ورُد ذلك بأن العرض يبقي زمانين، وعليه فلا مانع من تقدم القدرة على الطاعة عنها (٥).

ولكن الإشكال ما زال باقيًا حيث خصصوا تقدم القدرة بالطاعة فقط وأخروجوا الكافر من ذلك، وكذلك ما زالت القدرة عندهم غير مؤثرة، فلذلك قالوا: "وبالجملة فليس للعبد تأثير ما، فهو مجبورٌ باطنًا، مختارٌ ظاهرًا" (٦).


(١) انظر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي (ص ١٩٩).
(٢) انظر: شرح المقاصد لمسعود بن عمر التفتازاني (٤/ ٢٦٤).
(٣) انظر: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ص ٥٦٢).
(٤) انظر: هداية المريد إلى جوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني (ص ٢٥١).
(٥) انظر: تحفة المريد للبيجوري (ص ١٦٩) باختصار وتصرف.
(٦) انظر: نفس المصدر للبيجوري (ص ١٧٧).