• قال شيخنا أبو العباس:"وكثير من أتباع جهم: كأبي الحسن وأتباعه ومن وافقه من متأخري أصحاب مالك والشافعي وأحمد مثل: ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما يقولون: إن الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، وقد جعلوا أفعال العباد فعلا للَّه، والفعل عندهم هو المفعول، فامتنع عندهم مع هذا أن يكون فعلا للعبد كيلا يكون فعل واحد له فاعلان.
وأما الجمهور فيقولون: أنه مخلوق للَّه مفعول له، وهي فعل العبد قائمة به، وليست فعلًا للَّه قائمة به، بل مفعولة له غير فعله، والرب تعالى لا يوصف بها هو مخلوق له، وإنما يوصف بها هو قائم به، فلم نلزم هؤلاء أن يكون الرب ظالمًا وإنما أولئك، فإذا قالوا: أنه يوصف بالمخلوق المنفصل عنه فُسمي ظالمًا وعادلًا لوجود مخلوق منفصل عنه خلقه، فإنهم ألزموهم أن يكون ظالمًا خلقه ظلمًا منفصلًا عنه؛ إذ كانوا لا يفرقون فيها انفصل عنه بين ما يكون صفة لغيره وفعلًا له، وبين ما لا يكون؛ إذ الجميع عندهم نسبته واحدة إلى قدرته ومشيئته وخلقه، وهؤلاء يلزمهم أن لا يكون الأفعال العباد فاعل لا الرب ولا العبد، أما العبد فإنها وإن قامت به الأفعال فإنه غير فاعل لها عندهم، وأما الرب فعندهم لم يقم به فعل لا هذه ولا غيرها، والفاعل والمفعول من قام به الفعل، كما أن المتكلم المفعول من قام به الكلام، والمريد المفعول من قامت به الإرادة، والحي والعالم والقادر من قامت به الحياة والعلم والقدرة.
والذين يقولون: الخلق غير المخلوق لهم قولان: هل يخلق بفعل واحد قديم يوجد به جميع المفعولات؟ أم هو يُوجُد المفعولات بأفعال متعاقبة كما قال تعالى: ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦]؟ على قولين. ومن قال بالثاني قال: إن المؤثر التام يستلزم الأثر التام وإلا لزم الترجيح بلا مرجح؛ فإن الفاعل إذا كان قبل حدوث المفعول وحين حدوثه على حال واحده كان تخصيص أحدي الحالين بحدوث المفعول ترجيحًا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مُرجح، وهذا ممتنع في صريح العقل؛ فالأثر لا يُوجد إِلا إذا حصل مؤثره التام؛ فإنه بدونه تامة لا يكون مؤثرًا، فلا يحصل الأثر، وإذا تم رجب حصول الأثر؛ إذ لو لم يجب لأمكن وجوده وأمكن عدمه، فكان يتوقف على حدوث شيء آخر فلا يكون المؤثر تامًا.
وهؤلاء يقولون: القدرة مع الفعل، وكذلك الإرادة وسائر ما يتوقف عليه الفعل، وإن كان بعض ذلك قد يتقدم عليه ويبقى إلى حين حصوله، لكن لا بد من وجوده معه، وهذا الفعل الذي هو تكوين الرب خارج عن جميع الأسباب المخلوقة"
هذا المعنى مذكور في مواضع، لكن هذا النقل تام، وليس في شيء مما طبع بهذا التمام.