• وذكر شيخنا أبو العباس في الإجازة المغربية الاختلاف في رؤية النبي ﷺ ثم قال:"وقد يقال: رؤية الفؤاد والمنام يحصل منها لغير الأنبياء ما هو معروف ومعلوم أن تلك الرؤية لا تباشر الذات، بل يكون بوساطة ما يحصل في القلوب من صورة العرفان والإيمان، ولابد لما أثبته النبي صلى الله عليه من خاصة. فيجاب عن ذلك: بإمكان مباشرة رؤية فؤاد النبي ﷺ ربه بخلاف غيره، وبأن رؤيا الأنبياء وحي، فهي حق لا يدخل الشيطان فيها، بخلاف ما يتمثل لبعض أهل الرياضات والمجاهدات، فإنه قد يتخيل أنوارا وصورا يظنونها المعبود، ويكون الشيطان قد يتمثل لهم، كما قد وقع مثل ذلك لكثير من الناس. والذين أثبتوا رؤية العين ليس معهم إلا لفظ مطلق أو حديث موضوع. وقد اعتمد أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو يعلى وغيرهما على قوله تعالى: ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء﴾ [الشورى: ٥١] ومن العجب أن عائشة ومن وافقها احتجوا بهذه الآية: على النفي. وهؤلاء احتجوا أنها: على الإثبات، قالوا: لأن التكلم من وراء حجاب، هو تكليم موسى، وبإرسال الرسل، هو كإرسال الملائكة إلى الأنبياء، فلم يبق إلا التكليم مع المعاينة، فيكون ذلك هو التكليم وحيا. وهذه الحجة ضعيفة مناقضة لمقصود الآية، لأن الله قال: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد هذه الجهات الثلاثة، فلابد أن يكون نفى شيئا غير هذه الجهات الثلاث. وعلى قولهم لا يكون قد نفى شيئا، بل أثبت التكليم عيانا، ومن وراء حجاب، والتكليم بواسطة، ومعلوم أن التكليم إما بواسطة وإما بغير واسطة، ومع انتفاء الواسطة إما أن يكون معاينة وإما مع الحجاب فإذا كان الجميع ثابتا فما المنفي".