للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجئ بالعلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فمن يصلح بينهم؟ وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي " (١).

كما انتشر في هذا العصر الفرق والطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة من أمثال الشيعة الروافض، والصوفية، وبلغت الانقسامات بين تلك الفرق مبلغًا عظيمًا، حتى في المقابر، فأصبح للصوفية مدافن خاصة بهم، فلا يدفنون إلا في مقابر خاصة بها تسمى مقابر الصوفية (٢).

قال ابن كثير: "في يوم الاثنين السادس عشر من جمادى الأولى (سنة ٧٥٥ هـ) اجتاز رجل من الروافض من أهل الحلة بجامع دمشق وهو يسب أول من ظلم آل محمد، ويكرر ذلك لا يفتر، ولم يصل مع الناس ولا صلى على الجنازة الحاضرة، على أن الناس في الصلاة، وهو يكرر ويرفع صوته به، فلما فرغنا من الصلاة نبهت عليه الناس فأخذوه وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس، فجئت إليه واستنطقته من الذي ظلم آل محمد؟ فقال: أبو بكر الصديق، ثم قال جهرة والناس يسمعون: لعن الله أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد، فأعاد ذلك مرتين، فأمر به الحاكم إلى السجن، ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط، وهو مع ذلك يصرخ بالسب واللعن والكلام الذي لا يصدر إلا عن شقي، واسم هذا اللعين علي بن أبي الفضل بن محمد بن حسين ابن كثير قبحه الله وأخزاه، ثم لما كان يوم الخميس سابع عشره عقد له مجلس بدار السعادة وحضر القضاة الأربعة وطلب إلى هنالك فقدر الله أن حكم المالكي بقتله، فأخذ سريعا فضرب عنقه تحت القلعة وحرقه العامة وطافوا برأسه البلد ونادوا عليه هذا جزاء من سب أصحاب رسول الله ، وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي وإذا عند شيء مما يقوله الرافضة الغلاة، وقد تلقى عن أصحاب ابن مطهر أشياء في الكفر والزندقة، قبحه الله وإياهم" (٣).


(١) البداية والنهاية (١٨/ ٧١١).
(٢) الدارس في تاريخ المدارس (١/ ٢٧).
(٣) البداية والنهاية (١٨/ ٥٦٠ - ٥٦١).