للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَعَالَى- يَقُولُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ، وَلَا ظَلُومٍ» (١).

- وجه الدلالة من الحديث:

قوله: «ثمَّ يَبْسِطُ يَدَيْهِ» عبارة عن نَشْرِ رَحْمَتِهِ، واستعارة بكثرة عطائه، وإجابته، وإسباغ نعمته، ولا يعترض على هذا بأنَّ أمره ونهيه وأفعاله في كلِّ حين لا يختصُّ بوقت دون وقت؛ فقد يكون المراد بالأمر هنا فى هذه القضيَّة يختصُّ لقائم اللَّيل، كما يختصُّ رمضان ويوم عرفة وليلة القدر وليلة نصف شعبان وغيرها من الأوقات بأوامر من أوامره، وقضايا من قضاياه، لا تكون فى سائر الأوقات، كما جاء فى كتاب الله، وحديث نبيِّه (٢).

مناقشة:

نوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: هل الرَّحمة والأمر صفة قائمة بذات الله تعالى أم مخلوق مستقلٌّ؟ فلو قلنا الرَّحمة والأمر صفة قائمة بذات الله تعالى، فيلزم من نزولها نزول الذَّات، ولو قلتم مخلوق منفصل، كان الَّذي ينزل ويأتي لفصل القضاء مخلوقًا محدثًا، لا ربَّ العالمين، وهذا معلوم البطلان قطعاً، وهو تكذيب صريح للخبر؛ فإنَّه يَصِحُّ معه أن يقال: لا ينزل إلى سماء الدُّنيا، ولا يأتي لفصل القضاء، وإنَّما الذي ينزل ويأتي غيره، وبهذا بطل القول بنزول أمره، وصحَّ القول بنزول ذاته.

الثاني: أنَّ نزول رحمته وأمره لا يختصُّ بالثُّلث الأخير، ولا بوقت دون وقت ينزل أمره ورحمته، فلا تنقطع رحمته ولا أمره عن العالم العلويِّ والسُّفليِّ طَرْفَةَ عَيْنٍ (٣).

والصواب من ذلك:

أنَّ الله ﷿ ينزل نزولاً يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل؛ لما يأتي:


(١) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، والإجابة فيه (٧٥٨) - (١٧١).
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض (٣/ ١١٠).
(٣) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (ص ٤٧٤).