للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرأي الراجح:

الرَّاجح القول بأنَّ الله ينزل، ولا نقول بحركة وانتقال، ولا بدون حركة وانتقال، بل نمسك عن ذلك؛ لما يأتي:

١ - القائلون بذلك نطقوا بما نطق به النَّصُّ، وسكتوا عمَّا سكت عنه.

٢ - الألفاظ الَّتي سكت النَّصُّ من الكتاب والسُّنَّة عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح وفاسد، كلفظ الحركة والانتقال والجسم والحيِّز والجهة والأعراض والحوادث والعلَّة والتَّغيُّر والتَّركيب، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حَقٌّ وباطل؛ فهذه لا تُقْبَلُ مطلقًا، ولا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ فإنَّ الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسمَّيات، ولم يَنْفِهَا عنه.

٣ - من أَثْبَتَ الألفاظ المجملة مطلقًا فقد أخطأ، ومن نفاها مطلقًا فقد أخطأ؛ فإنَّ معانيها منقسمة إلى ما يَمْتَنِعُ إثباته لله، وما يجب إثباتُه له؛ فإنَّ الانتقال يراد به انتقال الجسم والعَرَضِ من مكان هو محتاج إليه إلى مكان آخر يحتاج إليه، وهو يمتنع إثباته للرَّبِّ تعالى، وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى، امتنع إثباتها لله تعالى، ويراد بالحركة والانتقال حركة الفاعل من كونه فاعلاً، وانتقاله أيضًا من كَوْنِهِ غير فاعل إلى كونه فاعلاً.

فهذا المعنى حَقٌّ في نفسه، لا يُعْقَلُ كون الفاعل إلاَّ به، فنفيه عن الفاعل نَفْيٌ لحقيقة الفعل، وتعطيل له، وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أَعَمُّ من ذلك، وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلَّق بالمكان الَّذي قصد له، وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه، وقد دلَّ القرآن والسُّنَّة والإجماع على أنَّه -سبحانه- يجيء يوم القيامة، وينزل لفصل القضاء بين عباده، ويأتي في ظُلَلٍ من الغمام والملائكة، وينزل كلَّ ليلة إلى سماء الدُّنيا، وينزل عشيَّة عَرَفَةَ، وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، وينزل إلى أهل الجنَّة.

وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة، فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصَّة بالمخلوقين؛ فإنَّها ليست من لوازم أفعاله المختصَّة به، فما كان من لوازم أفعاله لم يجز نَفْيُهُ عنه، وما كان من خصائص الخَلْقِ لم يجز إثباته له، وحركة الحيِّ من لوازم ذاته، ولا