للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه الدلالة من الحديث:

شبَّه حالة الرَّحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصِّلة والذَّبِّ عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به، ثمَّ أسند على سبيل الاستعارة التَّخييليَّة ما هو لازم للمشبَّه به من القيام، فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثمَّ رشِّحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو؛ فهو استعارة أخرى، والتَّثنية فيه للتَّأكيد؛ لأنَّ الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة (١).

قال الخطابي (٢): لا أعلم أحدًا من العلماء حمل الحقو على ظاهر مقتضاه في اللُّغة، وإنَّما معناه اللِّياذ والاعتصام؛ تمثُّلاً له بفعل من اعتصم بحبل ذي عزَّة، واستجار بذي ملكة وقدرة (٣).

الرأي الراجح:

الرَّاجح هو ثبوت صفة الحجزة لله تعالى؛ لما يأتي:

١ - ثبوت ذلك في الأحاديث الصَّحيحة.

٢ - قال ابن الوزير: اعلم أنَّ مذهب السَّلف أنَّ كلَّ من بلغه حديث من أحاديث الصِّفات، يجب عليه فيه سبعة أمور: التَّقديس، ثمَّ التَّصديق، ثمَّ الاعتراف بالعجز، ثمَّ السُّكوت، ثمَّ الإمساك، ثمَّ الكفُّ، ثمَّ التَّسليم.

أمَّا التَّقديس، فتنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات جميعها.

وأمَّا التَّصديق فهو الإيمان بأنَّ ما ذكره حَقٌّ على الوجه الذي قاله وأراده.

وأمَّا الاعتراف بالعجز، فهو أن يقرَّ بأنَّ معرفة مراده ليس من شأنه.

وأمَّا السُّكوت فهو أن لا يسأل عن معناه، ولا يخوض فيه، ويعلم أنَّ سؤاله عنه بدعة، وأنَّه في خوضه فيه مُخَاطِرٌ بِدِيْنِهِ، وأنَّه يوشك أن يكفر لو خاض فيه، وهو لا يشعر.


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر (٨/ ٥٨٠).
(٢) أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَطَّابٍ البُسْتِيُّ، الخَطَّابِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. له معالم الحديث، وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِ مائَةٍ. توفي سنة (٣٨٨ هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٧/ ٢٣).
(٣) أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، الكرمي (ص ١٨٤).