للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٥]، وقال: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ [المؤمنون: ٧٥]؛ فالعذاب والشِّدَّة هو المكشوف، لا المكشوف عنه.

- الثاني: يوم القيامة تحدث الشِّدَّة وتشتدُّ ولا تُزَالُ إلاَّ بدخول الجنَّة (١).

قال ابن القيِّم: والَّذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنَّما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدريِّ المتَّفق على صحَّته، وهو حديث الشَّفاعة الطويل، وفيه: «فَيَكْشِفُ الْرَّبُّ عَنْ سَاقِهِ، فَيَخِرُّوْنَ لَهُ سُجَّدًا»، وَمَنْ حَمَلَ الآية على ذلك قال: قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢] مطابق لقوله: فيكشف عن ساقه، فيخرُّون له سجَّدًا، وتنكيره للتَّعظيم والتَّفخيم، كأنَّه قال: يكشف عن ساق عظيمة جلَّت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه. قالوا: وحمل الآية على الشِّدَّة لا يَصِحُّ بِوَجْهٍ، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم، لا كُشِف عنها، كما قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الزخرف: ٥٠]، وقال: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ [المؤمنون: ٧٥]؛ فالعذاب والشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة (٢).

الرأي الراجح:

الراجح هو القول الأول، وهو أن قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم: ٤٢] هي آية من آيات الصفات، والمراد بها صفة الساق لله ﷿؛ لدلالة حديث أبي سعيد الخدري دلالة صريحة، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري وغيره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [سورة القلم، آية: ٤٢] لم يقل يوم يكشف السَّاق، وهذا يبين خطأ من قال المراد بهذه كشف الشدة، وأن الشدة تسمى


(١) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (١/ ٢٥٣).
(٢) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (١/ ٢٥٣).