للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَمْ قَطَعَتْ طَوْعًا وَكَرْهًا مَعَاقِلًا … مَضَى الدَّهْرُ عَنْهَا وَهْيَ عَاِنسَةٌ بِكْرُ

بَذَلْتَ لَهَا عَزْمًا فَلَوْلَا مَهَابَةٌ … كَسَاهَا الحَيَا جَاءَتْكَ تَسْعَى وَلَا مَهْرُ

قَصَدتَ حِمًى مِنْ قَلْعَةِ الرُّومِ لَمْ يُبَحْ … لِغَيرِكَ إِذْ غَرَّتْهُمُ المُغْلُ فاغْتَرُّوا

وَوَالُوهُمْ سِرًّا لِيُخْفُوا أَذَاهُمُ … وفي آخِرِ الأمرِ اسْتَوَى السِّرُّ والجَهْرُ

صَرَفْتَ إلَيهِمْ هِمَّةً لو صَرَفَتَها … إلى البَحَر لَاستَولَى عَلَى مَدِّهِ الجَزْرُ

وما قَلعَةُ الرُّومِ الَّتِي حُزْتَ فَتْحَهَا … وإنْ عَظُمَتْ إلَّا إِلَى غَيْرِهَا جِسْرُ

طَلِيعَةُ مَا يَأْتِي مِنَ الفَتْحِ بَعدَهَا … كما لَاح قَبلَ الشَّمسِ في الأُفُقِ الفَجْرُ (١)

وهذه -وللَّه الحمد والمنة- كانت نهاية الوجود الصليبي في بلاد الشام.

وفي عام ٧٠٢ هـ فُتحت جزيرة أرواد (٢) على يد السلطان الملك الناصر محمد قلاوون، وهي جزيرة في بحر الروم قبالة أنطرطوس (٣)، قريبًا من الساحل، اجتمع فيها جمع كثير من الفرنج، وبنوا فيها سورًا وتحصنوا في هذه الجزيرة، وكانوا يطلعون منها ويقطعون الطريق على المسلمين، المترددين في ذلك الساحل، فأُرسل أسطول إليها، من الديار المصرية في بحر الروم، ووصلت إليها في المحرم من هذه السنة، وجرى بينهم قتالٌ شديد، ونصر اللَّه المسلمين وملكوا الجزيرة المذكورة، وقتلوا وأسروا جميع أهلها، وخربوا أسوارها، وعادوا إلى الديار المصرية بالأسرى والغنائم (٤).

وهكذا انتهت الحروب الصليبية في تلك العصور بعد مدة قرنين من الزمان، حيث أبعدهم اللَّه تعالى وأزالهم، وهيأ لذلك السلاطين والملوك الأفذاذ، والمجاهدين الأبطال، رحمهم اللَّه تعالى ورضي عنهم، فلله الحمد والمنة.


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٦٥٠).
(٢) اسم جزيرة في البحر قرب قسطنطينية، غزاها المسلمون وفتحوها في سنة ٥٤ مع جنادة بن أبي أمية في أيام معاوية بن أبي سفيان وأسكنها معاوية. انظر: معجم البلدان الياقوت (١/ ١٦٢).
(٣) انطرسوس وهي على ضفة البحر صغيرة القدر بها أسواق عامرة وتجارات دائرة ومنها إلى حصن المرقب وهو على جبل منحاز من كل ناحية وبين حصن المرقب وانطرسوس ثمانية أميال. انظر: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق لمحمد الإدريسي (٢/ ٦٤٤).
(٤) انظر: المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء الأيوبي (٤/ ٤٧).