للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيمًا، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقًا، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر فتحت طرابلس في الساعة الرابعة من النهار عنوة، وشمل القتل والأسر جميع من فيها، وغرق كثير من أهل الميناء ونهبت الأموال، وبيت النساء والأطفال، وأخذت الذخائر واخواصل، وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثلاثٍ وخمسمائة إلى هذا التاريخ (١).

وفي سنة ٦٩٠ هـ فُتحت عكا وبقية مدن السواحل التي كانت بأيدي الفرنج من مُدد متطاولة على يد السلطان الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون (٢)، وقد أنشد الرئيس الفاضل شهاب الدين محمود بن سليمان (٣) قصيدة بهذه المناسبة يقول فيها:

اللَّه أكبر ذلَّت دولةُ الصُّلُبِ … وعَزَّ بالتركِ دينُ المصطفى العربي

ما بعد عكا وقد هُدَّت قواعدها … في البحر للشرك عند البر من أرَبِ

عقيلةٌ ذهبت أيدي الدهور بها … دهرًا وشدَّت عليها كفُّ مغتربِ

لم يبق من بعدها للكفر مذ خرجت … في البر والبحر ما يُنجي سِوى الهرَبِ (٤)

وفي عام ٦٩١ هـ افتتح السلطان الملك الأشرف خليل قلعة الروم بالسيف قهرًا في يوم السبت حادي عشر رجب، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق وزُينت البلد سبعة أيام، وكان الفتح بعد حصار عظيم جدًا، مدة ثلاثة وثلاثين يومًا، وكانت المنجنيقات تزيد على ثلاثين منجنيقًا.

وقد أنشد أيضًا شهاب الدين محمود بن سليمان بهذه المناسبة قصيدة يمدح فيها الملك الأشرف خليل، على هذا الفتح الجليل، يقول فيها:

كأنَّ مَثَارَ النَّقْعِ لَيلٌ وَخَفْقَهَا … بُرُوقٌ وأَنتَ البَدرُ والفَلَكُ الجَثْرُ

وَفَتحٌ أتَى في إثْرِ فَتحِ كأنَّمَا … سَمَاءٌ بَدَتْ تَتْرَى كَوَاكبُهَا الزُّهْرُ


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٦١٦).
(٢) انظر: موجز تاريخ الحروب الصليبية. لمصطفى وهبة (ص ٥٨).
(٣) محمود بن سليمان بن فهد، القاضي الأوحد البارع العلامة البليغ شهاب الدين أبو محمد الحلبي، ولد سنة ٦٤٤ هـ، كتب بخطه المنسوب الكثير للناس، وساد أهل عصره في الترسل والإنشاء، وترقت حاله إلى أن قر بديوان الإنشاء بمصر، ثم جعل صاحب الديوان الشامي، وكان يكتب التقاليد المطولة بديها بلا مسودة مع التواضع والسكون وكثرة الفضائل، توفي سنة ٧٢٥ هـ. انظر: معجم الشيوخ الكبير للذهبي (٢/ ٣٣٠).
(٤) انظر: الإعلام والتبيين. للحريري (ص ١٠٧ - ١٠٨).