للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه في خمسة آلاف، فلقيهم ابن الدانشمند، فانهزم بيمند وأُسِر، ثم وصل من البحر سبعة قيامصة من الفرنج، وأرادوا تخليص بيمند، فأتوا إلى قلعة تُسمى أنكورية (١)، فأخذوها وقتلوا من بها من المسلمين، وساروا إلى قلعة أخرى فيها وحصروها، فجمع ابن الدانشمند جمعًا كثيرًا، ولقي الفرنج، وجُعل له كمينًا، وقاتلهم وخرج الكمين عليهم، فلم يفلت أحد من الفرنج، وكانوا ثلاثمائة ألف، غير ثلاثة آلاف هربوا ليلًا وأفلتوا مجروحين وسار الدانشمند إلى ملطية، فملكها وأسَرَ صاحبها، ثم خرج إليه عسكر الفرنج من أنطاكية، فلقيهم وكسرهم، وكانت هذه الوقائع في شهور قريبة" (٢).

وكذلك من الأبطال المعدودين -الذين قهروا الفرنج وافتتحوا بلدانًا وحصونًا كان قد احتلها الصليبيون- السلطان عماد الدين زنكي بن آقْسُنْقُرَ التركي.

قال الذهبي: "واستنقذ من الفرنج كفر طاب والمعرة ودوخهم، وشغلهم بأنفسهم، ودانت له البلاد، وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا كأبيه، عظيم الهيبة. . . وكان يضرب بشجاعته المثل، لا يَقِرُّ ولا ينام. . . وافتتح مدائن عدة، ودوخ الفرنج، وكان أعداؤه محيطين به من الجهات، وهو ينتصف منهم ويستولي على بلادهم" (٣).

وقام بالأمر بعده خير قيام ابنه الملك العادل السلطان نور الدين محمود، ثم تولى بعده زمامَ ذلك السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقد مَرَّ معنا سابقًا الإشارة إلى ذلك.

وفي عام ٦٦٢ هـ نازل السلطان الملك الظاهر بيبرس مدينة قيسارية الشام وأخذها من الفرنج، ثم سار إلى أرسوف وفتحها بالسيف وطرد الفرنج منها (٤).

وكان السلطان الملك الظاهر بيبرس، أسدًا ضاريًا عظيم الجهاد والفتوحات، فلقد هزم الفرنج مرات عديدة، واستنقذ منهم حصونًا كثيرة وبُلدانًا عديدة، تزيد على الأربعين حصنًا وبلدًا (٥).

وفي عام ٦٨٨ هـ فُتحت مدينة طرابلس (٦)، على يد السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، فنازل طرابلس يوم الجمعة مستهل ربيع الأول، وحاصرها بالمجانيق حصارًا شديدًا، وضيقوا على أهلها تضييقًا


(١) أَنْقِرَة اسم للمدينة المسماة أنكورية. انظر: معجم البلدان لياقوت (١/ ٢٧١).
(٢) انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير (٨/ ٤٣٨).
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (٢٠/ ١٨٩ - ١٩٠).
(٤) انظر: الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين. لأحمد بن علي الحريري (ص ١٠١).
(٥) انظر: المصدر السابق (ص ١٠٦).
(٦) مدينة على شاطئ بحر الروم، عامرة كثيرة الخيرات والثمرات. انظر: آثار البلاد للقزويني (ص ٤٠٨).