للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي عام ٤٩٤ هـ ملَكَ الفِرَنجُ مدينة سروج (١) من ديار الجزيرة، فقتلوا أهلها وسبوهم، وملكوا أيضًا أرسوف (٢) بساحل عكا (٣) وقيسارية (٤). ولم تكد تخل سنة من السنين من اعتداءات صليبية على بلاد المسلمين.

وكان من تقدير اللَّه ولطفه -ومنذ ذلك العام وما بعده- أن أقامَ لجهادهم مَلِكَ دمشق الملك ظهير الدين طُغْتِكِين (٥) المتوفي سنة ٥٢٢ هـ فرد كثيرًا من العدوان الصليبي على بلاد الشام.

قال الذهبي: "لولا أن اللَّه أقام طُغْتِكِين للإسلام بإزاء الفرنج، وإلا كانوا غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة" (٦).

وكذلك أقام اللَّه تعالى أيضًا القائد كمشتكين بن الدانشمند (٧) فقد كان له بطولات ومعارك حاسمة هزم فيها الصليبيين، وردَّ بها عددا من الحملات الصليبية فرجعت خاسرة مهزومة.

قال ابن الأثير في أحداث سنة ٤٩٣ هـ: "في ذي القعدة من هذه السنة لقي كُمُشْتِكِينُ بن الدانشمند بيمند الفرنجي (٨) -وهو من مقدمي الفرنج- قريب مَلَطْيَةُ (٩)، وكان صاحبها قد كاتبه واستقدمه إليه، فورد


(١) بلدة قريبة من حرّان، من ديار مضر، بينها وبين البيرة مرحلة في الجبال. انظر: مراصد الاطلاع للقطيعي (٢/ ٧١٠).
(٢) مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا. انظر: معجم البلدان لياقوت (١/ ١٥١).
(٣) مدينة كبيرة، من ثغور الشام، وهي قاعدة مدن الافرنج بالشام، ومحطَ الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، مجمع السفن والرفاق، وملتقى تجار المسلمين والنصارى من جميع الآفاق، سككها وشوارعها تغص بالزحام، أخذها الفرنج من أيدي المسلمين في العشر الأول من المائة السادسة فعادت مساجدها كنائس، وصوامعها مضارب للنواقس. انظر: الروض المعطار للحميري (ص ٤١٠).
(٤) قيسارية بلد على ساحل بحر الشام تعدّ في أعمال فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة أيام. انظر: معجم البلدان لياقوت (٤/ ٤٢١).
(٥) طغتكين، الأمير أبو منصور، المعروف بأتابك، من أمراء تاج الدولة، زوجه بأم ولده دقاق، وكان مع تاج الدولة لما سار إلى الري القتال ابن أخيه، فلما قتل تاج الدولة رجع إلى دمشق، وصار أتابك دقاق، فلما مات دقاق تملك بدمشق، وكان شهما، مهيبا، شديدا على الفرنج والمفسدين. انظر: التاريخ للذهبي (١١/ ٣٧٨).
(٦) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (١٩/ ٥١٩).
(٧) كمشتكين بن الدانشمند طايلو، وإنما قيل له ابن الدانشمند لأن أباه كان معليا للتركان وتقلبت به الأحوال، حتى ملك، وهو صاحب ملطية وسيواس وغيرهما. انظر: الكامل لابن الأثير (٨/ ٤٣٨).
(٨) بيمند بن بيمند بن بيمند متملك طرابلس الفرنجي، كان جده نائبا لبنت صنجل الذي تملك طرابلس من ابن عمار في حدود الخمسمائة، فتغلب هذا على البلد لبعدها عنه، ثم استقل بها ولده، ثم حفيده هذا، ولما توفي دفن في كنيسة طرابلس ولما فتحها المسلمون في سنة ٦٨٨ هـ نبش الناس قبره، وأخرجوه منه، وألقوا عظامه على المزابل للكلاب. انظر: البداية لابن كثير (١٧/ ٥١٨).
(٩) بفتح أوله وثانيه، وسكون الطاء، وتخفيف الياء، والعامة تقوله بتشديد الياء وكسر الطاء، هي من بناء الإسكندر وجامعها من بناء الصحابة: بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة تتاخم الشام وهي للمسلمين. انظر: معجم البلدان لياقوت (٥/ ١٩٢).