للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن الجوزي: "أخذ الإفرنج بيت المقدس في يوم الجمعة ثالث عشر شعبان، وقتلوا فيه زائدًا على سبعين ألف مسلم، وأخذوا من عند الصخرة نيفًا وأربعين قنديلا فضة كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنور فضة وزنه أربعون رطلًا بالشامي، وأخذوا نيفًا وعشرين قنديلا من ذهب، ومن الثياب وغيره ما لا يحصى، وورد المستنفرون من بلاد الشام، وأخبروا بما جرى على المسلمين، وقام القاضي أبو سعد الهروي (١) قاضي دمشق، وأورد كلامًا أبكى الحاضرين، وندب من الديوان من يمضي إلى العسكر ويعرفهم حال هذه المصيبة، ثم وقع التقاعد فقال أبو المظفر الأبيوردي (٢) قصيدة في هذه الحالة فيها:

وكيفَ تنامُ العينُ ملءَ جفونها … على هَفَواتٍ أيقَظَتْ كُلَّ نائِمِ

وإخوانكم بالشَّامِ يُضحي مقيلهمْ … ظهورَ المذاكي أو بطونَ القشاعمِ

تَسُومُهُمُ الرُّومُ الهَوانَ وأنتُمُ … تجرُّونَ ذيلَ اخفضِ فعلَ المسالمِ

إلى أن قال:

وتلكَ حروبٌ من يَغبْ عن غِمارها … لِيَسْلَمَ يَقْرَعْ بَعْدَها سِنَّ نادِمِ

يَكادُ لَهُنَّ المُسْتَجِنُّ بِطَيْبَةَ … يُنادِي بِأَعْلَى الصَّوْت: يا آلَ هاشِمِ

أرى أمَّتي لا يُشرعونَ إلى العدا … رِماحَهُمُ، وَالدِّينَ واهِي الدَّعائِمِ

ويجتنبونَ النَّارَ خوفًا منَ الرَّدى … ولا يحسبونَ العارَ ضربةَ لازمِ

أترضى صناديدُ الأعاريبِ بالأذى … ويُغضي على ذلٍّ كماةُ الأعاجمِ

فليتهمُ إذْ لم يذودوا حميَّةً … عنِ الدِّينِ ضنُّوا غيرةً بالمحارمِ

وإنْ زهدوا في الأجرِ إذْ حميَ الوغى … فهلَّا أتوهُ رغبةً في الغنائمِ" (٣)


(١) محمد بن نصر بن منصور، القاضي أبو سعد الهروي الحنفي قدم دمشق ووعظ بها، ثم توجه إلى بغداد فولي قضاء الشام، وعاد قاضيا فأقام مدة، ثم رجع إلى العراق، وقد ولي القضاء في مدن كثيرة بالعجم، وكان في صباه يؤدب الصبيان، ثم ترقت حاله وبلغ ما بلغ، وكان من دهاة العالم، قتلته الباطنية لعنهم اللَّه بجامع همدان في هذه السنة ٥١٨ هـ. انظر: التاريخ للذهبي (١١/ ٢٩٧).
(٢) العلامة أبو المظفر محمد بن أحمد الأموي، العنبسي، المعاوي الأبيوردي، اللغوي شاعر وقته وصاحب التصانيف، قال يحيى بن منده: سئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات؟ فقال: تُقَرُّ وتُمَرُّ. توفي سنة ٥١٢ هـ. انظر: السير للذهبي (١٩/ ٢٨٤).
(٣) انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (١٧/ ٤٨).