للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما من لم يفهم من الحديث ذلك، فيلزمه إمّا تفويض المعنى (وليس هو من منهج السَّلف)، أو أن يتأوّل الحديث.

وقد تأوّلة ابن قتيبة بقوله: "ونحن نقول: إن لهذا الحديث مخرجًا حسنًا، إن كان النَّبيّ أراده، وهو: أن يكون الجبَّار - هاهنا - الملِك، قال الله ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ [سورة ق: ٤٥] أي:

بملِكٍ مُسلَّط، والجبابرة: الملوك، وهذا كما يقول النَّاس: هو كذا وكذا ذراعًا بذراع الملك، يريدون بالذّراع الأكبر، وأحسبه ملكًا من ملوك العجم، كان تامّ الذراع، فنُسب إليه" (١).

ووافقه على ذلد الأزهري في "تهذيب اللغة"، كما سبق.

وقد افتتح الأزهري مادّة (جبر) بقوله: "قال الله ﷿: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [سورة المائدة: ٢٢].

قال أبو الحسن اللحياني (٢): أراد الطُّول والقوَّة والعِظَم، والله أعلم بذلد. قلت: كأنه ذهب به إلى الجبّار من النَّخيل، وهو الطَّويل الذي فات يد المتناول، يقال: رجل جبَّار إذا كان طويلًا عظيمًا قويًّا، تشبيهًا بالجبَّار من النَّخيل؟ " (٣).

وقد يستغرب هذا التأويل من لم يكن عارفًا بلغة العرب، ولعدم استخدام الجبَّار لدينا بالمعنى الذي ذكره الأزهري، لكن من عرف الجبَّار في لغة العرب يدل على ذلك المعنى، ولم يُسلَّط عُزفه اللغوي على العرف اللغوي الذي كان في زمن النَّبيّ لم يستغرب ذلك المعنى، خاصة مع قول ابن فارس في كتابه: "مقاييس اللغة": "الجيم والباء والراء: أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من العظمة والعُلُوّ والاستقامة، فالجبّار: الذي طال وفات اليد، يُقال: فرس جبِّار، ونخلة جبًارة .. (٤). (٥)


(١) تأويل مختلف الحديث (ص ٤٠٥).
(٢) هو: علي بن حازم اللحياني، لغوي مذكور، أخذ عنه العلماء، عاصر الفراء وتصدر في أيامه، وله كتاب في النوادر، حسن جليل، قال عنه الفراء: هذا أحفظ الناس للنوادر. إنباء الرواة على أنباء النحاة (٢/ ٢٥٥).
(٣) الأزهري في "تهذيب اللغة" (١١/ ٤١).
(٤) ابن فارس في "مقاييس اللغة" (١/ ٥٠١).
(٥) المقال مستفاد من فتوى للشيخ الدكتور: الشريف حاتم العوني.