للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا نُبين أقسام الناس في القدر:

القسم الأول: أهل الهدى والفلاح الذين آمنوا بقضاء الله وقدره، ولم يحتجوا بقدره على شرعه، أو العكس، وهؤلاء هم أهل الحق الذين عملوا بمقتضى قوله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤].

القسم الثاني: المخاصمون في القدر، أهل الضلال والهلاك المخالفون للجماعة، وهم ثلاث فرق:

١/ المجوسية: هم القدرية الذين آمنوا بشرع الله، وكذبوا بقدره. فغلاتهم أنكروا عموم علم الله تعالى وقالوا: إن الله تعالى لم يقدر أعمال العباد ولا علم له بما قبل وقوعها، ومقتصدوهم آمنوا بعلم الله بها قبل وقوعها. وأنكروا أن تكون واقعة بقدر الله تعالى وأن تكون مخلوقة له، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم.

٢/ المشركية: الذين أقروا بقدر الله، واحتجوا به على شرعه كما قال الله تعالى عنهم: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨].

٣/ الإبليسية: الذين أقروا بالأمرين بالقدر وبالشرع، لكن جعلوا ذلك تناقضًا من الله ﷿، وطعنوا في حكمته تعالى، وقالوا: كيف يأمر العباد وينهاهم، وقد قدر عليهم ما قد يكون مخالفًا لما أمرهم به ونهاهم عنه؟ فهل هذا إلا التناقض المحض والتصرف المنافي للحكمة؟! وهؤلاء أتباع إبليس فقد احتج على الله ﷿ حين أمره أن يسجد لآدم، فقال إبليس: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢].

قال عوف: "من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام، إن الله قدر أقدارًا وخلق الخلق بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم الأرزاق بقدر، وقسم البلاء بقدر، وقسم العافية بقدر، وأمر ونهى". وقال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله". وقال أبو الوفاء: "فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الرب على خلق أعمال العباد وكتابها وتقديرها، وسلف القدرية كانوا ينكرون علمه بها وهم الذين اتفق سلف الأمة على تكفيرهم" (١).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٢٤٣)، وشفاء العليل (ص: ٢٨)، وتقريب التدمرية لابن عثيمين (ص: ١٠٥، ١٠٦).