للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل الثابت عنه إما الإطلاق، وإما التقييد بالفؤاد. وقد ذكر طائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى ومن اتبعه عن أحمد ثلاث روايات في رؤيته تعالى: إحداها: أنه رآه بعينه، واختاروا ذلك. وكذلك اختاره الأشعري وطائفة. ولم ينقل هؤلاء عن أحمد لفظًا صريحًا بذلك، ولا عن ابن عباس، ولكن المنقول الثابت عن أحمد من جنس النقول الثابتة عن ابن عباس: إما تقييد الرؤية بالقلب، وإما إطلاقها، وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن أحمد ولا عن ابن عباس" (١).

وقال: "وأما أحاديثُ المعراج المعروفة فليس في شيء منها ذِكرُ رؤيتِه البتَّةَ أصلًا. فالواجب اتباعُ الآثار الثابتة في ذلك وماكان عليه السلفُ والأئمّة، وهو إثباثُ مطلقِ الرؤية، أو رؤية مقيَّدة بالفؤاد. أما رؤيتُه بالعين ليلةَ المعراج أو غيرها، فقد تدبَّرنا عامَّةَ ما صنَّفَهُ المسلمون في هذه المسألة وما نقلوا فيها قريبًا من مئةِ مُصنَّفٍ، فلم نجد أحدًا روى بإسنادٍ ثابت - لا عن صاحبٍ ولا إمامٍ - أنّه رآه بعينِ رأسِه. والله أعلم" (٢).

وقال القاضي عياض السبتي: "وأما وجوبه لنبينا والقول بأنه رآه بعين، فليس فيه قاطع ولا نص؛ إذ المعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن ولا أثر قاطع متواتر عن النبي بذلك" (٣).

ثانيًا: رؤية غير النبي .

قال ابن تيمية: "وقد اتفق المسلمون على أن غير النبي لم ير الله في الدنيا؛ كما اتفقوا على أنه يرى في الآخرة بالأبصار، وإن كان من أهل البدع من ينازع في هاتين المسألتين، لكن السلف متفقون على ذلك" (٤).

وبدأ المصنف في أحاديث الرؤية بباب أنه لا يراه أحد في الدنيا، وذكر جملة من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك منها:

عن أبي أمامة الباهلي قال: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ يَوْمًا، كَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ ذِكْرُ الدَّجَّالِ يُحَذْرنَاه، حَدَّثَنَا عَنْه، حتى فرغ من خطبته .. فذكر الحديث بطوله. وفيه فَيَقُولُ - يعني


(١) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (٥/ ٣٨٤) وما بعدها، ومجموعة الرسائل والمسائل له (١/ ٩٩).
(٢) انظر: جامع المسائل لابن تيمية (١/ ١٠٨).
(٣) انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى لعياض السبتي (١/ ٣٨٦).
(٤) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (٥/ ٣٨٤).