للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها ما هي مطلقة ومنها ما هي مقيدة. وذكر ابن المحب قول ابن تيمية في الجواب عن الاختلاف في رؤية النبي (١).

كما ذكر قول أبو الفرج الجوزي إذ بيّن فيه أن قول ابن عباس مقدم على قول عائشة وأجاب على سبب تقديمه لقول ابن عباس حيث ذكر فيه أنه أثبت رؤية النبي لربه عيانًا؛ وأن هذا القول قال به الإمام أحمد، وأن عائشة نفت الرؤية فقال ما نصه: "اتفقت الروايات عن إمامنا أحمد بن محمد بن حنبل، أن النبي رأى ربه ليلة أُسري به، والمشهور المعتمد عليه أنه رأى ربه بعيني رأسه، عليه عامة أهل السنة والنقل، ومنع من ذلك المعتزلة ومن وافقهم من الأشعرية، والدلالة على أنه رآه بعينيه قوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ قال ابن عباس مفسرًا لذلك: رأى ربه بعيني رأسه .... " (٢)،

وقد بيّن ابن تيمية المراد بقول عائشة، والمراد بقول ابن عباس، وجمع بين الأدلة، ووضح الصواب في المسألة، فقال: "وأما ليلة المعراج فليس في شيء من الأحاديث المعروفة أنه رآه ليلة المعراج، لكن روي في ذلك حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، رواه الخلال من طريق أبي عبيد، وذكره القاضي أبو يعلى في "إبطال التأويل"، والذي نص عليه الإمام أحمد في الرؤية هو ما جاء عن النبي ، وما قاله أصحابه، فتارة يقول: رآه بفؤاده متبعا لأبي ذر؛ فإنه روى بإسناده عن أبي ذر : أن النبي رأى ربه بفؤاده. وقد ثبت في صحيح مسلم: "أن أبا ذر سأل النبي : هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه". ولم ينقل هذا السؤال عن غير أبي ذر. وأما ما يذكره بعض العامة من أن أبا بكر سأل النبي فقال: "نعم رأيته"، وأن عائشة سألته، فقال: "لم أره" فهو كذب، لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يجيب النبي عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقًا، فهو منزه عن ذلك فلما كان أبو ذر أعلم من غيره اتبعه أحمد، مع ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رآه بفؤاده مرتين. وتارة يقول أحمد: رآه. فيطلق اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب اتباعا للحديث، وتارة يستحسن قول من يقول: رآه. ولا يقول بعين ولا قلب، ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين باشروه عنه أنه قال: رآه بعينه، .. وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: "رآه بعينه"،


(١) انظر: القسم المحقق (ص: ٣٥٥).
(٢) انظر: القسم المحقق (ص: ٣٥٨).