للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خامسة على أن لا اتفاق بين الفلاسفة الطبيعيين في أن الفلك طبيعة خامسة، بل قد قال أجلهم واشرافهم أعني أفلاطن (١): أنه ناري أرضي، وليس أيضًا الكلام الذي جاء به ارسطاطاليس (٢) ومن سلك طريقه ليبين أن الفلك طبيعة خامسة متخلص من الشكوك، لكن مملوءًا شكًا، وذلك أنه لا يصح من محاكيه حركة الفلك لحركات العناصر الأربعة، أن الفلك من عنصر مخالف لها دون أن يصح أن الفلك ليس بمحمول على هذه الحركة، بل تَحرُّكهُ بذاته ومن ذاته، ومن أجل أنا لو وجدنا دولابًا من خشب لا يُرى مدبره لِتواريه عنا لوجدنا الخشب يتحرك بخلاف حركته الطبيعية، ولم يكن لنا أن نحكم من هذا الموضع فقط أن تلك الحركة للخشب طبيعية، فغير مأمون أن تكون حركة الفلك بالحمل والقسر، وإن كنا لا نشاهد هذا الحامل القاسر، وأيضًا فقد تجد الأجسام المتحركة على استقامة تتحرك على استدارة لعارض داخل على طباعها كالمائي حال غليانه، والذهب حال ذوبانه، فتبين إذن أنه لا سبيل إلى الحكم بأن جوهر الفلك مخالف لجوهر الاسطقسات (٣)، من مخالفته لحركتها إلا أن يصح عندنا أن هذه الحركة من ذاته وجوهره وليس بمحمولٍ عليها بتةً" (٤).

قال كوشيار بن لبان بن با شهري الجيلي (٥): "السماء هي الجسم المتحرك المُحرِّك لجميع الكواكب من المشرق إلى المغرب في كل يوم وليلة دورة واحدة، واستدارة أسطحتها موازية لاستدارة السماء، وهذا الجسم كُرِّي وحركته دورته، ومركزه مركز العالم، ونهايته نهاية العالم والأرض في وسطه، وهي أيضًا كُرّية، وليس لها عند نهاية السماء قدر محسوس" ثم استدل على ذلك وقال: "أصغر كوكب في السماء الذي يُرى كالنقطة هو أضعاف الأرض، فكيف حال الأرض لو رؤيت من ذلك البعد؟ ".


(١) هو أفلاطون بن أرسطون أحد أساطين الحكمة الخمسة. تقدمت ترجمته بعد الحديث (رقم ٣٧٢).
(٢) هو أرسطو بن ينقوماخوش، واسمه: أرسطا طاليس فهو المقدم المشهور والحكيم المطلق لما بلغ أرسطو سبع عشرة سلمه أبوه إلى أفلاطون فمكث نيفا وعشرين سنة وصار حكيها مبرزا يشتغل عليه والإسكندر من تلاميذ أرسطوا تعلم عليه خمس سنين ونال من الفلسفة ما لم ينل سائر تلاميذ أرسطو ولما لحق أباه فيلبس مرض الموت أخذ ابنه الإسكندر من أرسطو وعهد إليه بالملك. انظر: بغية الطلب لابن العديم (٣/ ١٣٤١) وتاريخ ابن الوردي (١/ ٧٣).
(٣) الاسطقسات لفظ يوناني بمعنى "الأصل" وتسمى العناصر الأربع التي هي "الماء والأرض والهواء والنار" اسطقسات؛ لأنه أصول المركبات التي هي الحيوانات والنباتات والمعادن. انظر: التعريفات للجرجاني (ص ٢٤).
(٤) كتاب سمع الكيان لأبي بكر الرازي لا يزال مفقودًا.
(٥) أبو الحسن كوشيار بن أبان بن باشهري الجيلي، ويقال الجبلى من جملة المنجمين سكن بغداد، اشتغل بعلم الهندسة وعلم التنجيم ومات في حدود سنة ٣٥٠. انظر: الأعلام للزركلي (٥/ ٢٣٦) وهدية العارفين لإسماعيل البغدادي (١/ ٨٣٨).