للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأرض دحاها في يومين، ثم بعد ذلك دحا الأرض" أي: بسطها ومدها وكانت ربوة مجتمعة فأرساها بالجبال وأنبت فيها النباتات في يومين، فتلك ستة أيام سواء للسائلين. وقيل: معنى ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي: مع ذلك، وبعد تأتي في كلام العرب بمعنى مع وأنشد:

فقلتُ لها فِيءِ إليك فإنني … حرامٌ وإني بعد ذاك لبيبُ (١)

أي: مع ذاك مُلبٍّ (٢).

قال أبو القاسم عبد اللَّه بن محمد بن ناقيا (٣) في المقامات العشر وذكر قول معترض ما معنى قوله: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس: ٤٠] وفي أوان كل مُحاق (٤) يقع الإدراك واللحاق؟ ثم في الكسوف الشمسي يكون الإدراك الحقيقي؟ فأجابه: إنها الشمس لا تدرك القمر بفلكها، وإنما هو بسرعة سيره يدركها، وذلك بمشاهدة الناظرين. قيل ما معنى قوله: ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠]؟ قال: "المراد أنه لا يذهب أحدهما بمعنى صاحبه ولا يزول نظامها عن سببه، فكأنه قال: "لا الليل سابق النهار ولا النهار سابق الليل" ونابت إحدى الجملتين عن الأخرى، وهذا مذهب من مذاهب العرب في أن السبق من النهار واقع؛ لأن اللَّه لما خلق الشمس أوجد النهار بوجودها، ولم يكن الزمان قبلها يُسمى ليلًا، فلما وقع الانحياز والتميز بها كان النهار والليل واستحق النهار السبق؛ لأن الدليل منه، قال اللَّه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥)[الفرقان] " (٥).


(١) البيت للمضرَّب بن كعب. انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (٢/ ٣٠٠) تحقيق: محمد فؤاد سزكين. الناشر: مكتبة الخانجي القاهرة. الطبعة ١٣٨١ هـ.
وقد نسبه العلامة حاتم الضامن للمخبل السعدي في رسالته: المخبل السعدي حياته وما تبقى من شعره (ص ١٢٤) المصدر: مجلة المورد العراقية. المجلد الثاني. العدد الأول ١٩٧٣ م.
(٢) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (٢/ ٣٠٠): رجل ملبّ وإنما هو من ألبيت أي قد أقمت بالمكان. . أي مقيم أي مع ذاك.
(٣) عبد اللَّه بن محمد بن الحسين بن ناقيا بن داود بن محمد بن يعقوب، أبو القاسم بن أبي الفتح، الحنفي الشاعر، المعروف بأبي البندار، كان شاعرا مجوّدا، عذب الألفاظ، مليح المعاني، ظريفا، من محاسن الناس، إلا أنه كان مطعونا عليه في دينه وعقيدته. ومات سنة ٤٨٥ هـ. انظر: تاريخ بغداد وذيوله (٢١/ ١٠٧).
(٤) المُحاق: أن يستسر القمر ليلتين فلا يرى غدوة ولا عشية. انظر المحكم لابن سيده (٣/ ٢٨).
(٥) انظر: مقامات الحنفي وابن ناقيا وغيرهما (ص ١٤١ - ١٤٢) الناشر: مطبعة أحمد كامل. استانبول ١٣٣٠ هـ.