للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد بن حزم في كتاب الدُّرة: "والروح والنفس شيءٌ واحدٌ، قال رسول اللَّه ليلة ناموا عن الصلاة: "إن أرواحنا كانت بيد اللَّه فردها إذا شاء" (١). أو كما ، وقال له بلال في ذلك الحين: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول اللَّه" (٢). فلم ينكر ذلك عليه النبيُّ " (٣).

الأقوال التي حُكيت للناس في الروح حكيت لهم في النفس.

وقال أبو محمد البغوي: "الروح المركب في الخلق الذي يحيى به الإنسان، تكلم فيه قوم فقال بعضهم: هو الدم ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه إلا الدم. وقال قوم: هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس. وقال قوم: هو عَرَض. وقال قوم: هو جسم لطيف. وقال بعضهم: الروح معني اجتمع فيه النور والطيب والعلو والعلم والبقاء، ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفًا بجميع هذه الصفات، وإذا خرج ذهب الكل. وأولى الأقاويل: أن يوكل علمه إلى اللَّه ﷿، وهو قول أهل السنة. قال عبد اللَّه بن بريدة (٤): إن اللَّه لم يُطْلِع على الروح مَلَكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا" (٥).

وقال أبو الحسن الآمدي علي بن الحسن (٦): "وقد اختلف الأولون في أمر النفس الإنسانية، فقال قوم: أنها عَرَض، لكن منهم من قال: أنها من جملة القوى الفعالة، ومنهم من قال: أنها مزاج. وقال قوم: أنها جسم، ثم منهم من قال: أنها جسم عنصري، ومنهم من قال: أنها الروح، ومنهم من قال: أنها الدم.


(١) أخرجه البخاري (رقم ٥٩٥) وغيره من حديث أبي قتادة، ولفظه: "إن اللَّه قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء".
(٢) أخرجه مسلم (٦٨٠/ ٣٠٩) ومالك (رقم ٣٥) والشافعي في مسنده (رقم ١٥٢) وأبو داود (رقم ٤٣٥) والترمذي (رقم ٣١٦٣) وابن ماجه (رقم ٦٩٧) وغيرهم.
(٣) انظر: الدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص ٢١٧ - ٢١٨).
(٤) عبد اللَّه بن بريدة الأسلمي أبو سهل المروزي قاضيها ثقة ع. تقدمت ترجمته في الحديث (رقم ٢٤).
(٥) انظر: تفسير البغوي (٥/ ١٢٦).
(٦) السيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي المتكلم العلامة صاحب التصانيف العقلية. قرأ القراءات والفقه ودرس على ابن المني وسمع من ابن شاتيل ثم تفقه للشافعي علي ابن فضلان وبرع في الخلاف وحفظ طريقة الشريف وتفنن في علم النظر وكان من أذكياء العالم، أقرأ بمصر مدة فنسبوه إلى دين الأوائل وكتبوا محضرًا بإباحة دمه. فهرب وسكن بحماة ثم تحول إلى دمشق ودرس لعزيزية ثم عزل لأمر اتهم فيه ولزم بيته يشتغل. ولم يكن له نظير في الأصلين والكلام والمنطق توفي سنة ٦٣١ هـ. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان (٣/ ٢٩٤) والعبر للذهبي (٣/ ٢١٠).