للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي ذهب إليه المحققون منهم: أنه جوهر بسيط مجرد عن المادة دون علائق المادة، ويدل عليه أن كل عاقل يحدث نفسه أنه يعمل شيئًا ما، فإن كان بسيطة لا يركب منه فيهو المطلوب، وإن كان مركبًا ففيه البسيط، والبسيط غير متحرك، والمدرك له إما أن يكون بسيطًا أو مركبًا لا جائزٌ أن يكون مركبًا، وإلا فالمُدرك منه إما البعض أو الكل، فإن كان المُدرك البعض دون الكل فإن كان مركبًا عاد التقسيم وتسلسل، وإن كان بسيطًا في النفس والباقي خارج عنها، وإن كان المُدرك هو الأجزاء فإما أن يكون كل جزءٍ أُدرك بإدراك الآخر أو غيره، فإن كان الأول لزم حصول العلم بالشيء الواحد مرارًا وهو خلاف ما نجده من أنفسنا، وإن كان الثاني فقد لزم التجزئ فيها لا يتجزئ وذلك محالٌ، فلم يبق إلا أن يكون المُدرك للبسائط بسيطًا لا تركيب فيه، فلا يكون جسمًا ولا قائمًا بالجسم، وهو إما أن يكون جوهرًا أو عرضًا، فإن كان جوهرًا فهو المطلوب، وإن كان عَرضًا فموضوعه لا بد وأن يكون جوهرًا بسيطًا، وإلا لزم منه التجزئ فيما لا يتجزئ له، أو عدم التجزئ في المتجزئ وهو محالٌ، وذلك هو المعنى بالنفس الناطقة" (١).

قلتُ (٢): "هذه الحجة التي ذكرها هو وغيره على أن النفس ليست بجسم قد نقضها عليهم شيخنا أبو العباس وبين فسادها بكلام مُفصَّلٍ مبسوطٍ ليس هذا موضع حكايته".

فمنه: "أن قولهم: "العلم بما لا ينقسم لا ينقسم". كلام لا حقيقة له؛ إذ حاصله أن العلم بما لا اختيار فيه، وما لا اختيار فيه لا يُعلم بل لا يوجد، فلا يُتصور أن يقوم علمه بمحلٍّ أصلًا، وإنما مدار حجتهم على إثبات موجود لا اختيار فيه، كما أثبتوا جُزءًا لا ينقسم أو يقبل الانقسام إلى غير نهاية.

فما ادَّعوهُ من الجزء والانقسام المحصور الذي هو فصلُ بعضهِ عن بعض كما نفوه من الانقسام الذي يُعني به إمكان تعلق العلم والإدراك ببعضه دون بعض، فلا ذلك المثبت له تلك القسمة له وجود، ولا هذا المنفي عنه هذه القسمة له وجود، بل كل موجود ثبتت له هذه المناسبة والقيام بالنفس الذي سَمَّوه انقسامًا، وليس في الموجودات ما ينفصل بعضه عن بعض حتى ينتهي إلى جزئهم، أو ينقسم دائمًا، وأما ما ذكروه من أن النفس يقوم بها العلم بالأمور الكلية كالإنسانية والجسمية التي لا توجد إلا في الأذهان، والكلي المجرد عن جميع الأمور


(١) انظر: أبكار الأفكار في أصول الدين للآمدي (٤/ ٢٧٤) وكلامه غير صحيح ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي بعده.
(٢) القائل هو ابن المحب الصامت .