للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن أبي هريرة، عن النبي قال: "الأرواح جنودٌ مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف". رواه مسلم (١): لعبد العزيز الدراوردي (٢)، عن سهيل.

قال أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن مَسرَّة القرطبي (٣) في رسالته إلى موسى بن حدير الحاجب (٤): "النفس والروح، وليس الروح والنفس، الروح كالأصل والنفس كالفرع، فأما في تعارف الكلام وتصاريفه في القرآن والآثار على اتساع المعاني، فقد يقع كل واحلي منهما مكان صاحبه، وإنها لفظ القرآن بالنفس إذا عنى أرواح البشر، ولا تُذكر الروح إلا بمعنى الأصل الأعلى الذي منه فُصلت الأرواح المطلقة في الدنيا، فأما فصل ما منها في خلق ابن آدم فإن الروح هي التي لها العقل والسمع والبصر وسائر الحواس الخمس" (٥).

وقوله: "الروح يقع عليها وعلى النفس معها، تمر خاصة منفردة هي التي تخدم البدن في النفس والحركات الباطنة: كحركة المعدة والكبد والمثانة والأعضاء العاملة في جسم الحيوان، فالنفس هي التي تبقى للنائم عند نومه في الرئتين بالنفس، وفي سائر أعضاء البدن المسرة لصلاح الجسم، والروح هي التي تنقبض عند النوم وتنبسط فتعقل وتسمع وتبصر، ولا يبقى أحدهما دون صاحبه ولا يتفرقان، وإذا طلعت الروح عند الموت فالنفس بدنها وحجابها، واللَّه أعلم، واعلم رحمك اللَّه أن هذا لا يتيسر إلا لمن يحتمله عقله".

قال أبو محمد بن قتيبة: "والعرب تسمي الدم نفسًا لاتصال النفس به على مذهبهم في تسمية الشيء بما اتصل به أو جاوره أو كان سببًا له، ويقولون: نفست المرأة إذا حاضت، كأنها دميت، وقال أصحاب اللغة: "إنما سُميت المرأة نُفساء لسيلان الدم وقال إبراهيم: "كل شيء ليست له نفسٌ سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا سقط


(١) أخرجه مسلم (رقم ٢٦٣٨/ ١٥٩).
(٢) عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي صدوق ع. تقدمت ترجمته في الحديث (رقم ٤٧).
(٣) محمد بن عبد اللَّه بن مسرة بن نجيح الأندلسي، اتهم بالزندقة فخرج فارا، وتردد في المشرق مدة، فاشتغل بملاحات أهل الجدل وأصحاب الكلام والمعتزلة، ثم رجع إلى الأندلس، فأظهر نسكا وورعا، واغتر الناس بظاهره، فاختلفوا إليه وسمعوا منه، ثم ظهر الناس على سوء معتقده وقبح مذهبه فانقبض عنه أولوا الفهم، وكان يقول بالقدر، ويحرف التأويل في كثير من القرآن. وله كلام عذب في التصوف والعرفان، توفي سنة ٣١٩ هـ. انظر: تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (٢/ ٤١ - ٤٢) والتاريخ للذهبي (٧/ ٣٥٩).
(٤) موسى بن محمد بن حدير الحاجب، رئيس كان في أيام عبد الرحمن الناصر من أهل الأدب والشعر، ومن أهل بيت رياسة وجلالة؛ يعرف بابن اللب، محدث إلبيري من أهل البيرة، مات سنة ٢٧٠ هـ. انظر: جذوة المقتبس لمحمد بن فتوح الأزدي (١/ ٣٣٧).
(٥) رسالة ابن مسرة لا تزال مفقودة.