للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه، يريد كل شيء ليس له دمٌ سائل"، وتُسمي العرب النفْسَ نسَمةً وأصل النسَمة النفس، ورويَ في بعض الحديث: (تنكبوا الغبار فإنه منه تكون النسَمَة) يُراد منه يكون النفَس والربو، وسُمي نفَسًا لأنه عن النفَس يكون، والعرب تقول: "مات فلان حتف نفْسِهِ وحتف أنفهِ" إذا مات على فراشه؛ لأنه لا يزال يتنفس حتى يموت فتُخرجُ نفْسَهُ نفَسًا من أنفهِ وفَمِه" (١).

قال أبو عبد اللَّه محمد بن عمر الرازي في المطالب العالية: "ثم إن العقلاء تحيروا في معرفة النفس وأنها هل هي عبارة عن هذا الهيكل المحسوس أو عن جسم داخل فيه أو عن عرض قائم به أو عن جوهر مجرد" (٢).

وقال: "إن النفوس البشرية كلها مجبولة في الأصل على محبة اللَّه عاشقة لكبريائه وحجابها عن ذلك استغراقها في العلائق البدنية والطينات الجسدانية، فإذا أزال عن نفسه هذا الحجاب أو قللها ارتفع الحجاب وظهرت أنوار معرفة اللَّه للمستعدين لذلك بحسب استعدادهم، وقال أرسطوا: من أراد الشروع في هذا الباب فليستحدث لنفسه طبيعة أخرى، ومراده التجرد عن العلائق المذكورة، فليجتهد الإنسان في تحصيل ذرة من ذلك حتى يصير ذلك من أعظم الجواذب إليه والانصراف عما عداه، قال أرسطو: قد كنت أشرب فلا أروى إلى أن شربت من هذا البحر فرويت ريًا لا ظمأ بعده أبدًا" (٣).

ذكر صاحب المفصل في شرح المحصل للرازي (٤) قوله: "اختلف أهل العلم في حدوث الأجسام، والوجوه الممكنة فيه لا تزيد على أربعة" إلى آخره (٥).

قال الشارح: "الوجوه الممكنة بحسب القسمة العقلية لا تزيد على أربعة أقسام: لأن الجسم إما أن يكون مُحدث الذات والصفات معًا، أو قديم الذات والصفات معًا، أو قديم الذات محدث الصفات، أو مُحدَث الذات قديم الصفات، والقسم الأول وهو أن يكون مُحدَث الذات والصفات معًا فهو قول الجمهور من المسلمين


(١) انظر: غريب القرآن لابن قتيبة (ص ٢٥).
(٢) انظر: المطالب العالية للرازي (٧/ ٣٥).
(٣) انظر: المطالب العالية للرازي (١/ ٥٧ - ٥٨).
(٤) الشرح للفيلسوف عليّ بن عمر بن علي نجم الدين القزويني الكاتبي الدَّبِيرَاني المنطقي صاحب التصانيف، كان على دين الحكماء يصرح بقدم العالم، وكان من الأذكياء، فلم يؤت هدى، مات وهو يقول بقدم العالم سنة ٦٧٥ هـ. انظر: التاريخ للذهبي (١٥/ ٢٩٢، ٣٠٢).
(٥) الكتاب لا يزال مخطوطًا، وسيطبع قريبًا إن شاء اللَّه في مجلدين بمنشورات الجمل بألمانيا.