للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تركه، والمشهور عند النحاة أن العرب أماتوا ماضي (يدع) ومصدره، واستغنوا عنه بـ (ترك)، لكن ورد في الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين» (١)، فيحمل قول النحاة على قلة الاستعمال، وإلا فقد ورد في هذا الحديث مصدر الفعل (٢).

قوله: (على ذكرك) هذا شامل لجميع أنواع الذكر، من قراءة القرآن والثناء على الله تعالى والاشتغال بالعلم النافع ونحو ذلك، وقدم الذكر على الشكر، لأن العبد إذا لم يكن ذاكراً لم يكن شاكراً، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: ١٥٢].

قوله: (وشكرك) الشكر: أن تظهر آثار نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً، وعلى قلبه اعترافاً، وعلى جوارحه انقياداً، ويصرف نعمه فيما يحبه ويرضاه، ويستعين بها على طاعته، ويحذر من صرفها في معصيته.

قوله: (وحسن عبادتك) العبادة الحسنة هي العبادة الخالصة لله تعالى الموافقة للشرع.

الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية هذا الدعاء في دبر الصلاة، وهو دعاء جامع شامل مع إيجازه وقلة ألفاظه، فإن من رزقه الله الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته فقد تَمَّ أمره، وكملت أسباب سعادته، لأن الدين متضمن ذلك كله، فإنه ذكرٌ لله تعالى، وثناءٌ عليه، وشكر لإنعامه وجزيل إفضاله، ومن تمام ذلك أن يحسن عبادة ربه ويؤديها على الوجه الأكمل.

والدبر في هذا الحديث يحتمل أن يكون مراداً به ما قبل السلام، أو ما بعد السلام، والأفضل أن يكون ما قبل السلام لأمرين.

الأول: ما تقدم أن الدبر هو آخر الشيء وطرفه ومؤخرته، وطرف الصلاة هو التشهد الأخير ما قبل السلام.


(١) سيأتي الكلام عليه - إن شاء الله - في أول باب "صلاة الجمعة" وهو في صحيح مسلم (٨٦٥).
(٢) "شرح الطيبي" (٣/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>