للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم» (١).

فإذا شك في الركعة الثانية هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده شيء جعلها الثانية، ثم أكمل صلاته وسجد للسهو.

وقد بيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكمة من ذلك وهو أنه إن كان صلّى خمساً فإن السجدتين يشفعن له صلاته، أي: تكون صلاته شفعاً بهاتين السجدتين، لأن المطلوب بالظهر والعصر والعشاء الشفع فكأنهما قاما مقام ركعة، ولو زاد ذلك على أربع.

وإن كان صلّى تماماً ولم يحصل له نقص كانتا إرغاماً للشيطان، أي: إغاظة وإذلالاً له، لأنه لبَّس على المصلي صلاته وأراد إفسادها، فجعل الله تعالى هاتين السجدتين طريقاً إلى جبر صلاته، وردّاً للشيطان خاسئاً ذليلاً مبعداً عن مراده، وكملت صلاة العبد وامتثل أمر الله تعالى بالسجود الذي عصى به إبليس ربه.

والإرغام من الرَّغام - بالفتح - وهو التراب، يقال: (أرغم الله أنفه)، أي: ألصقه بالتراب، وهو كناية عن الذل والهوان.

الوجه الثالث: دل هذا الحديث مع حديث ابن بحينة - المتقدم - على أن سجود السهو قبل السلام محفوظ في حالين:

الأولى: إذا كان عن نقص، كما في حديث ابن بحينة لما قام النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التشهد الأول قبل السلام.

الثانية: إذا كان عن شكٍّ لم يترجح فيه أحد الأمرين، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه الترمذي (٣٩٨)، وابن ماجه (١٢٠٩)، وأحمد (٣/ ١٩٤) من طريق محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - به، قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب صحيح). وفي هذا نظر، فإن في إسناده مكحولًا وابن إسحاق، وهما مدلسان وقد عنعناه، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية لأحمد (٣/ ٢١٠) ثم إن في إسناده اختلافًا على ابن إسحاق من جهة وصله وإرساله، ذكر ذلك الدارقطني في "العلل" (٤/ ٢٥٧ - ٢٦٠) وبيَّن الصواب في هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>