للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستدلوا على ذلك بحديث أبي قدامة، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة (١)، وحديث زيد بن ثابت قال: (قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النجم فلم يسجد فيها) وسيأتي.

والقول الأول هو الصواب، لأن الأصل بقاء الحكم وعدم النسخ، ويؤيد ذلك حديث أبي رافع قال: (صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها، فقلت له: ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه) (٢) وفي رواية: (قلت: يا أبا هريرة هذه سجدة ما كنا نسجدها، قال: سجد بها أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم وأنا خلفه، فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم) (٣).

وظاهر قوله: (ما هذا؟) أنه استفهام إنكار من أبي رافع، ومثله ورد عن أبي سلمة مع أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين - أيضاً - وهو يشعر بأن العمل مستمر على خلاف ذلك، وأنه قد تُرِكَ السجود فيها، وهذا فيه نظر، كما قال الحافظ (٤): فإن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة، بل سكتا، لأن الحجة قد لزمتهما، لما أعلمهما بالسنة، ولم يحتجا عليه بأن العمل على خلاف ذلك، وهو يرى أن الحجة في السنة لا فيما خالفها، وأن مخالفها محجوج بها، وما أحسن قول ابن عبد البر: (فأيُّ عمل يدعى في خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين بعده؟) (٥).

وقد أجمع العلماء على أن إسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان سنة سبع من الهجرة، فدل على أن السجود في المفصل بعد الهجرة، وأما حديث ابن عباس فعنه جوابان:


(١) أخرجه أبو داود (١٤٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٧٨) ومسلم (٥٧٨).
(٣) "سنن النسائي" (٢/ ١٦٢ - ١٦٣).
(٤) "فتح الباري" (٢/ ٥٥٦).
(٥) "التمهيد" (١٩/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>