للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا تعارض بين حديث الغسل وحديث الفرك، لإمكان الجمع، وذلك بحمل الغسل على الاستحباب والتنظيف، لا على الوجوب جمعاً بين الأدلة (١)؛ لأن الغسل لا يدل على نجاسة الشيء، فإنه لا ملازمة بين الغسل والتنجيس، لجواز غسل الطاهرات كالتراب والطين والدهن وغيرها مما يصيب البدن أو الثوب، ثم إنه لم يثبت أمر بغسل المني، ومطلق الفعل لا يدل على شيء زائد على الجواز.

ومما يؤيد ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسلت المني من ثوبه بِعِرْق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحته من ثوبه يابساً، ثم يصلي فيه) (٢)، وهذا صريح في طهارة المني لا يحتمل تأويلاً (٣)، ويفيد مع ما قبله أن المشروع إزالة أثر المني وعدم تركه على الثوب حتى على القول بطهارته.

ومما يؤيده - أيضاً - ما ورد عن إسحاق بن يوسف الأزرق قال: (حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن المني يصيب الثوب، فقال: «إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة») (٤).

وأما قولهم: بأنه خارج من سبيل، وكل خارج من سبيل فهو نجس، فهذا استدلال بمحل النزاع على محل النزاع، فلا يقبل، ثم إن قياسه على كل خارج بجامع الاشتراك في المخرج منقوض بالفم، فإنه مخرج النخامة


(١) "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (١/ ٧٨)، "فتح الباري" (١/ ٣٣٢).
(٢) أخرجه ابن خزيمة (١/ ١٤٩)، وإسناده حسن.
(٣) "بدائع الفوائد" (٣/ ١٢٣).
(٤) أخرجه الدارقطني (١/ ١٢٤). وقال: (لم يرفعه غير إسحاق الأزرق)، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤١٨) عن ابن عباس موقوفًا، وقال: (هذا هو الصحيح)، لكن قال ابن الجوزي في "التحقيق" (١/ ١٠٥): (وإسحاق إمام مخرج له في الصحيحين، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ). وهكذا قال المجد ابن تيمية في "المنتقى"، لكن تعقبه حفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، فراجع "الفتاوى" (٢١/ ٥٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>