للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقرؤهما) (١)، ولعل وجه النكارة: مخالفة هذه الجملة لحديث زيد المتقدم، وحديث عمر الآتي بعد هذا.

الوجه الثالث: هذا الحديث وما ذكر معه من أحاديث وآثار دليل على أن سورة الحج فضلت على غيرها من سور القرآن بأن فيها سجدتين، ولا خلاف بين العلماء في ثبوت السجدة الأولى فيها، على ما نقله النووي (٢) وابن حجر (٣) وغيرهما.

وإنما الخلاف في السجدة الثانية وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧].

فذهب مالك في رواية عنه والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر وجماعة آخرين إلى أنها من مواضع السجود، للأدلة المتقدمة (٤).

وذهب أبو حنيفة، ومالك في رواية عنه، وهي المذهب، وأحمد في رواية عنه، وابن حزم وجماعة (٥) إلى أنها ليست من مواضع السجود، لأن الله تعالى جمع بينها وبين الركوع فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]، فلم تكن سجدة، كقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَّبِكِ واسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]، والأصل براءة الذمة ولم يثبت السجود فيها من طريق صحيح.

والقول الأول أرجح، لقوة أدلته، كما تقدم، وذكر الركوع في الآية لا يقتضي ترك السجود، كما ذُكِرَ البكاء في قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: ٥٨]، وقد سجد النبي صلّى الله عليه وسلّم في سورة النجم، مع أنه قُرن السجود فيها


(١) "المسند" (٢٨/ ٥٩٣).
(٢) "المجموع" (٤/ ٦٢).
(٣) "فتح الباري" (٢/ ٥٥١).
(٤) "المغني" (٢/ ٣٥٥)، "المجموع" (٤/ ٦٢)، "مواهب الجليل" (٢/ ٦١).
(٥) "بدائع الصنائع" (١/ ١٩٣)، "المنتقى" (١/ ٣٤٩)، "الإنصاف" (٢/ ١٩٦)، "المحلى" (٥/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>